التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ
١١٧
فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١١٨
-الشعراء

خواطر محمد متولي الشعراوي

تأمل هنا أدب نوح - عليه السلام - حين يشكو قومه إلى الله ويرفع إليه ما حدث منهم، كل ما قاله: { إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ } [الشعراء: 117] ولم يذكر شيئاً عن التهديد له بالرجم، وإعلان الحرب على دعوته، لماذا؟ لأن ما يهمه في المقام الأول أن يُصدِّقه قومه، فهذا هو الأصل في دعوته.
وقوله: { فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً .. } [الشعراء: 118] الفتح في الشيء إما: حسياً وإما معنوياً، فمثلاً الباب المغلَق بقُفْل نقول: نفتح الباب: أي نزيل أغلاقه.
فإنْ كان الشيء مربوطاً نزيل الأشكال ونفكّ الأربطة.
ومن ذلك قوله تعالى في قصة يوسف:
{ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ .. } [يوسف: 65] أي: أزالوا الرباط عن متاعهم، هذا هو الفتح الحسِّيّ.
أما الفتح المعنوي فنُزيل الأغلاق والأشكال المعنوية ليأتي الخير وتأتي البركة، كما في قوله سبحانه:
{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ .. } [الأعراف: 96].
وفي آية أخرى:
{ مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ .. } [فاطر: 2].
والخير الذي يفتح الله به على الناس قد يكون خيراً مادياً، وقد يكون عِلْماً، كما في قوله تعالى:
{ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ .. } [البقرة: 76].
أي: من العلم في التوراة، يخافون أن يأخذه المؤمنون، ويجعلوه حجة على أهل التوراة إذا ما كان لهم الفتح والغَلَبة، فمعنى:
{ بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ .. } [البقرة: 76] أي: بما علَّمكم من علم لم يعلموه هم.
وقد يكون الفتح بمعنى الحكم، مثل قوله سبحانه:
{ رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } [الأعراف: 89].
ويكون الفتح بمعنى النصر، كما في قوله تعالى:
{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [النصر: 1].
ثم يقول نوح عليه السلام: { وَنَجِّنِي .. } [الشعراء: 118] من كيدهم وما يُهدِّدونني به من الرَّجْم { وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 118] لأن الإيذاء قد يتعدّاه إلى المؤمنين معه، وتأتي الإجابة سريعة:
{ فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ ... }.