التفاسير

< >
عرض

طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ
١
-النمل

خواطر محمد متولي الشعراوي

تكلمنا كثيراً على هذه الحروف المقطَّعة في أوائل السور، وهنا (طس) وهما حرفان من حروف المعجم، وهي تُنطق هكذا (طاء) و(سين) لأنهما أسماء حروف، وفَرْق بين اسم الحرف ومُسمَّاه، فكلٌّ من الأمي والمتعلم يتكلم بحروف يقول مثلاً: كتب محمد الدرس. فإنْ طلبتَ من الأمي أن يتهجى هذه الحروف لا يستطيع لأنه لا يعرف اسم الحرف، وإنْ كان ينطق بمُسمَّاه، أمّا المتعلم فيقول: كاف تاء باء.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يعرف أسماء الحروف، فهي إذن من الله؛ لذلك كانت مسألة توقيفية، فالحروف (الٰم) نطقنا بها في أول البقرة بأسماء الحروف (ألف) (لام) (ميم)، أما في أول الانشراح فقلنا
{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [الشرح: 1] بمسميات الحروف نفسها، فنقول: أَلَم.
و{ تِلْكَ .. } [النمل: 1] اسم إشارة للآيات الآتية خلال هذه السورة، وقُلْنا إن الآيات لها مَعَانٍ متعددة، فقد تعني الآيات الكونية: كالشمس والقمر،
{ وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ .. } [فصلت: 37].
{ { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا .. } [الروم: 21] وهذه الآيات الكونية هي التي تلفتنا إلى عظمة الخالق - عزَّ وجلّ - وقدرته.
والآيات بمعنى المعجزات المصاحبة للرسل، والتي تثبت صِدْق بلاغهم عن الله، والآيات بمعنى آيات القرآن الحاملة للأحكام، وهي المرادة هنا { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } [النمل: 1].
وسبق أنْ قال تعالى:
{ الۤرَ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ } [الحجر: 1] فمرة يقول { وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ } [الحجر: 1] ومرة { وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } [النمل: 1] ويأتي بالكتاب ويعطف عليه القرآن، أو يأتي بالقرآن ويعطف عليه الكتاب، مع أنهما شيء واحد، فكيف إذن يعطف الشيء على نفسه؟
قالوا: إذا عطف الشيء على نفسه، فاعلم أنه لزيادة وَصْف الشيء، تقول: جاءني زيد الشاعر والخطيب والتاجر، فلكلِّ صفة منها إضافة في ناحية من نواحي الموصوف، فهو القرآن لأنه يُقرأ في الصدور، وهو نفسه الكتاب لأنه مكتوب في السطور، وهما معاً نُسمِّيهم مرة القرآن ومرة الكتاب، أمّا الوصف فيجعل المغايرة موجودة.
ومعنى { مُّبِينٍ } [النمل: 1] بيِّن واضح ومحيط بكل شيء من أقضية الحياة وحركتها من أوامر ونواهٍ، كما قال سبحانه:
{ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ .. } [الأنعام: 38].
وسبق أنْ حكينا ما حدث مع الإمام محمد عبده -رحمه الله - حينما كان في فرنسا، وسأله أحد المستشرقين: تقولون إن القرآن أحاط بكل شيء، فكم رغيفا في إردبّ القمح؟ فدعا الإمام الخباز وسأله فقال: كذا وكذا، فقال المستشرق: أُريدها من القرآن، قال الإمام: القرآن قال لنا:
{ فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [الأنبياء: 7].
فهو كما قال تعالى:
{ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ .. } [الأنعام: 38].
ثم يقول الحق سبحانه:
{ هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ... }.