التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
٢٣
-القصص

خواطر محمد متولي الشعراوي

عرض القرآن الكريم هذه القصة في إيجاز بليغ، ومع إيجازها فقد أوضحتْ مهمة المرأة في مجتمعها، ودور الرجل بالنسبة للمرأة، والضرورة التي تُلجىء المرأة للخروج للعمل.
معنى { وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ .. } [القصص: 23] يعني: جاء عند الماء، ولا يقتضي الورود أن يكون شَرِب منه. والورود بهذا المعنى حلَّ لنا الإشكال في قوله تعالى:
{ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا .. } [مريم: 71] فليس المعنى دخول النار، ومباشرة حَرِّها، إنما ذاهبون إليها، ونراها جميعنا - إذن: وردْنا العَيْن. يعني: جئنا عندها ورأيناها، لكن الشرب منها، شيء آخر.
{ وَجَدَ عَلَيْهِ .. } [القصص: 23] أي: على الماء { أُمَّةً .. } [القصص: 23] جماعة { يَسْقُونَ .. } [القصص: 23] أي: مواشيهم { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ .. } [القصص: 23] يعني: بعيداً عن الماء { ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ .. } [القصص: 23] أي: تكفّان الغنم وتمنعانها من الشُّرْب لكثرة الزحام على الماء { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا .. } [القصص: 23] أي: ما شأنكما؟
وفي الاستفهام هنا معنى التعجُّب يعني: لماذا تمنعان الغنم أنْ تشربَ، وما أتيتُما إلا للسُّقْيا؟
{ قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } [القصص: 23].
وقولهما { حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ .. } [القصص: 23] يعني: ينصرفوا عن الماء، فصدر مقابل ورد، فالآتي للماء: وارد، والمنصرف عنه: صادر: نقول: صدر يَصْدُر أي: بذاته، وأصدر يُصْدر أي: غيره.
فالمعنى: لا نَسْقي حتى يسقي الناس وينصرفوا. و { ٱلرِّعَآءُ .. } [القصص: 23] جمع رَاعٍ. ثم يذكران العلَّة في خروجهما لِسقْي الغنم ومباشرة عمل الرجال { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } [القصص: 23].
ثم يقول الحق سبحانه:
{ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ ... }.