التفاسير

< >
عرض

وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ
٣٤
-القصص

خواطر محمد متولي الشعراوي

معنى الرِّدْء: المعين، وعرفنا من قصة موسى - عليه السلام - وهو صغير في بيت فرعون أنه أصابته لَثْغة في لسانه، فكان ثقيل النطق لا ينطلق لسانه؛ لذلك أراد أنْ يستعين بفصاحة أخيه هارون ليؤيده، ويُظهر حجته، ويُزيل عنه الشبهات.
وكان بإمكان موسى أن يطلب من ربه أن يستعين بأخيه هارون، فيكون هارون من باطن موسى، لكنه أحب لأخيه أن يشاركه في رسالته، وأن ينال هذا الفضل وهذه الرِّفْعة، فقال: { فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي .. } [القصص: 34] يعني: معيناً لي حتى لا يُكذِّبني الناس، فيكون رسولاً مِثْلِي بتكليف من الله.
لذلك نرى الآيات تتحدث عن هارون على أنه رسول شريك لموسى في رسالته، يقول تعالى في شأنهما:
{ { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [طه: 43-44].
فإذا نظرنا إلى وحدة الرسالة فَهُما رسول واحد، وهذا واضح في قوله تعالى:
{ { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 16].
وجاء في قول فرعون:
{ { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [الشعراء: 27] بصيغة المفرد. كما لو بعث رئيس الجمهورية رسالة مع اثنين أو ثلاثة إلى نظيره في دولة أخرى، نُسمِّي هؤلاء جميعاً (رسول)؛ لأن رسالتهم واحدة، فإذا نظرتَ إلى وحدة الرسالة من المرسِل إلى المرسَل إليه فهما واحد، وإذا نظرتَ إلى كلٍّ على حِدَة فهما رسولان.
وقد ورد أيضاً:
{ { إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ .. } [طه: 47] فخاطبهم مرة بالمفرد، ومرة بالمثنى.
لذلك لما دعا موسى - عليه السلام - على قوم فرعون لما غرَّتهم الأموال، وفتنتهم زينة الحياة الدنيا قال
{ { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [يونس: 88].
المتكلِّم هنا موسى وحده، ومع ذلك قال تعالى:
{ { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا .. } [يونس: 89] فنظر إلى أنهما رسول واحد، فموسى يدعو وهارون يُؤمِّن على دعائه، والمؤمِّن أحد الدَّاعِيَيْن.