التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ
٣٩
-القصص

خواطر محمد متولي الشعراوي

أي: تكبروا دون حق، وبغير مبررات للكِبْر، فليس لديهم هذه المبررات؛ لأن الإنسان يتكبَّر حين تكون عظمَته ذاتية فيه، أمّا العظمة المخلوقة لك من الغير فلا تتكبر بها، مَنْ يتكبر يتكبَّر بشيء ذاتي فيه، كما يقولون (اللي يخرز يخرز على وركه).
وكذلك في دواعي الكِبْر الأخرى: الغِنَى، القوة، الجاه، والسلطان ... إلخ.
لذلك يكره الله تعالى المتكبرين، ويقول في الحديث القدسي:
"الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما أدخلته جهنم" .
والكبرياء والعظمة صفة جلال وجمال لله تعالى تجعل الجميع أمام كبرياء الله سواء، فلا يتكبَّر أحد على أحد (ونرعى جميعاً مساوى) في ظل كبرياء الله الذي يحمي تواضعنا، فلو تكبَّر أحدنا على الآخر لتكبَّر بشيء موهوب له، ليس ذاتياً فيه؛ لذلك ينتصر الله لمن تكبَّرت عليه، ويجعله أعلى منك، وعندنا في الأرياف يقولون: (اللي يرمي أخاه بعيب لن يموت حتى يراه في نفسه).
والمتكبّر في الحقيقة ناقصُ الإيمان؛ لأنه لا يتكبَّر إلا حين يرى الناس جميعاً دونه، ولو أنه استحضر كبرياء خالقه لاستحيا أنْ يتكبَّر أمامه، وهكذا كان استكبار فرعون وجنوده في الأرض بغير حق.
أما إنْ كان الاستكبار من أجل حماية الضعيف ليعيش في ظلاله فهو استكبار بحق؛ لذلك نقول حين يصف الحق - تبارك وتعالى - نفسه بأنه العظيم المتكبّر نقول: هذا حق. لأنه حماية لنا جميعا من أنْ يتكبَّر بعضنا على بعض.
وقوله تعالى: { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } [القصص: 39] فاستكبارهم في الأرض جاء نتيجة ظنهم بأنهم لن يرجعوا إلى الله، وأنه تعالى خلقهم ورزقهم، ثم تفلَّتوا منه، ولن يعودوا إليه، لكن هيهات، لا بُدَّ - كما نقول - لهم رَجْعة.