التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
١٢
-العنكبوت

خواطر محمد متولي الشعراوي

وهذا لَوْن من ألوان الإيذاء أن يقول الذين كفروا للذين آمنوا { ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا .. } [العنكبوت: 12] أي: ما نحن عليه من دين الآباء والأجداد، وما نحن عليه من عبادة الأصنام والأوثان، فنحن نعبد آلهة لا تكاليفَ لها ولا مطلوبات، وأنتم تعبدون إلهاً له منهج، وله مطلوبات بافعل كذا ولا تفعل كذا.
فالمعنى: { ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا .. } [العنكبوت: 12] خُذوا الحكم منا { وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ .. } [العنكبوت: 12] يعني: اعملوا على مسئوليتنا، وإنْ كانت عليكم خطايا سنحملها عنكم، وانظر هنا إلى غباء الكافر فقد آمن هو نفسه أن هذه خطيئة، ومع ذلك يتعرَّض لحملها، لكن كيف يحملها؟ وكيف يكون هو المسئول عنها أمام الله - عز وجل - حين يحاسبني ربي عليها ويعاتبني على اتباعي له؟ وهل للكافر شفاعة أو قوة يدافع بها عني في الآخرة؟
لذلك يقول تعالى بعدها: { وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [العنكبوت: 12] ويؤكد لنا سبحانه كذبهم أيضاً في قوله تعالى:
{ { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ .. } [البقرة: 166].
ويقول التابعون:
{ { رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ } [فصلت: 29].
فالمودة التي كانت بينهم في الدنيا تحولتْ إلى عداوة؛ لأنهم اجتمعوا في الدنيا على الضلال، فتفرقوا في الآخرة، كما قال سبحانه:
{ { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 67] فالمتقي ساعة يرى المتقي في الآخرة يشكره، ويعترف له بالجميل؛ لأنه أخذ على يديه في الدنيا، ومنعه من أسباب الهلاك، فيحبه ويثني عليه، وربما اعتبره عدوه في الدنيا، أما أهل الضلال فيلعن بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض.
إذن: فغباء الكفار بيّن في قولهم: { وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ .. } [العنكبوت: 12]، كما هو بيِّن في قولهم
{ { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32].
وكما هو بيِّن في قولهم:
{ { لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ .. } [المنافقون: 7] فهم يعرفون أنه رسول الله، ومع ذلك يمنعون الناس من الإنفاق على الفقراء الذين عنده، إنه غباء حتى في المواجهة.