التفاسير

< >
عرض

قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ
٢٥
-سبأ

خواطر محمد متولي الشعراوي

هذا تلطف آخر وارتقاء فى حِجَاجِ الكفار يُظهِر مدى حرص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يستلَّ الضغينة من نفوس الكفار، وتأمل: { لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا .. } [سبأ: 25] فيجعل رسول الله الإجرام في جانبه وهو ولم يُسَوِّ هذه المرة بين الطرفين، كما قال هناك { { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ .. } [سبأ: 24] إنما وصف فِعْله بالإجرام وقال عن الكفار { وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [سبأ: 25] ولم يَقُل تجرمون.
وفي الآية دقيقة أخرى، هي ورود (أَجْرَمْنَا) بصيغة الماضي، كأن الإجرام حدث بالفعل، أما هم فورد الفعل (تَعْلَمُونَ) بصيغة المضارع؛ ليدل على أنه لم يحدث منهم بعد، وهذا تلطف آخر، وارتقاء في النقاش، وتودُّد إلى الخَصْم عَلَّه يرعوى، فيفرح الله بتوبته وعودته إلى رحابه.
وهذا الأسلوب الجدلي في الآيتين لا يتأتَّى إلا من المجادل القوي الحجة الذي لا تنزله عنها زَلَّة سابقة من خَصْمه. ومثل ذلك قولنا في المناقشة: سلَّمنا جدلاً بكذا وكذا، ونرضى لأنفسنا بالأقل، لماذا؟ لأنك تعلم أنك على الحق، وقوة الجدل لديك تجعلك على ثقة بأن البحث في المسألة سينتهي لصالحك.
لكن، مع ذلك كيف يأمر الحق سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أنْ ينسب الإجرام إلى نفسه؟ قالوا: لأن الجُرْم يختلف باختلاف المخاطب به، كما قالوا: حسنات الأبرار سيئات المقربين.
ثم تنتهي الآيات إلى خلاصة هذه القضية في قوله تعالى:
{ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ... }.