التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَرُونِيَ ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحْكِيمُ
٢٧
-سبأ

خواطر محمد متولي الشعراوي

الحق سبحانه يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ لهم: أروني الذين أشركتم مع الله، وهو صلى الله عليه وسلم يراهم بالفعل، يرى أصنامهم التي يعبدونها من دون الله، فما فائدة { أَرُونِيَ .. } [سبأ: 27]؟ قالوا: لأنه حين يطلب منهم هذا المطلب يعلم أنهم يَسْتحون أنْ يشيروا إليها، ولا يجرؤون على ذلك؛ لأنهم يعلمون أنها أحجار صَمَّاء، لا تضر ولا تنفع.
ومعنى { أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ .. } [سبأ: 27] من الإلحاق، وهو أنْ تأتي بشيء جديد تُلحقه بشيء ثابت، فكأن ألوهية الله هي الألوهية الحق الثابتة، وآلهتهم الجديدة طارئة عليها، ليست أصيلة، فالإيمان ثابت وأصيل وفطريٌّ في النفس الإنسانية، أما هذه الآلهة فمُحْدثة طارئة باطلة، لذلك ينفيها بقوله { كَلاَّ .. } [سبأ: 27].
ثم يُضرب عن هذا الكلام السابق ليثبت الألوهية لله وحده { بَلْ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحْكِيمُ } [سبأ: 27] و (بل) تفيد الإضراب عما قبلها وإثبات الحكم لما بعدها، فالإله الحق هو الله.
وفي موضع آخر، يناقشهم الحق سبحانه:
{ { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا .. } [الأنبياء: 22] ونعلم من دراساتنا النحوية أن (إلاَّ) أداة استثناء، تفيد إخراج ما بعدها من حكم ما قبلها، وأن المستثْنَى بعدها منصوب، كما نقول: حضر الطلاب إلا محمداً.
فلو طبَّقْنا هذه القاعدة على هذه الآية لَكَان المعنى: لو كان فيهما آلهة خارج منها الله لَفَسدتا، لكن لو كان فيهما آلهة والله معهم لم تَفْسدا، هكذا منطق الآية إذا أُخِذَتْ (إلاَّ) على أنها أداة استثناء للإخراج، إنما (إلا) هنا ليست حرف استثناء، بل هي اسم بمعنى (غير)، بدليل أن ما بعدها وهو لفظ الجلالة مرفوع وليس منصوباً على الاستثناء، فالمعنى: لو كان فيهما آلهة غيرُ الله لفسدتا.
وقوله: { بَلْ هُوَ ٱللَّهُ .. } [سبأ: 27] جاء هنا أيضاً بضمير الغيبة (هُوَ)، ومعلوم أن ضمير الغيبة لا يأتي إلا إذا سبقه مرجع، تقول: جاءني على فأكرمتُه، إلا مع الله سبحانه وتعالى، فإن هو تسبق المرجع { بَلْ هُوَ ٱللَّهُ .. } [سبأ: 27] لماذا؟ قلنا: لأنه ضمير لا ينصرف إلا لغائب واحد هو الموجود الأعلى سبحانه.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً... }.