التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
٣٥
-سبأ

خواطر محمد متولي الشعراوي

قلنا إن الدين إنما جاء ليُحدِث توازناً في المجتمع واستطراقاً عقدياً واقتصادياً واجتماعياً، فمنطق هؤلاء الذين كفروا بالرسل أنهم ليسوا في حاجة إلى هذا كله، فعندهم المال والأولاد، وعندهم كل مُتع الحياة.
{ وَقَالُواْ .. } [سبأ: 35] أي: في حيثيات كفرهم { نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } [سبأ: 35] بل أكثر من ذلك يأخذهم غرورهم إلى أن يقولوا: { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [سبأ: 35] لماذا؟ يقولون: لأن الله ما كان ليعطينا هذا النعيم في الدنيا، ويضنّ علينا في الآخرة.
لكن نقول لهم: أنتم واهمون، ففَرْق بين عطاء الألوهية وعطاء الربوبية، الله تعالى أعطاكم بعطاء الربوبية الذي يشمل الجميع المؤمنَ والكافر، والطائع والعاصي، أما عطاء الألوهية فتكليف، فالله يعطيكم في الدنيا بعطاء الربوبية، ويعاقبكم في الآخرة بمقتضى الألوهية.
وهذه الحيثية منهم: { نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } [سبأ: 35] حجة عليهم لا لهم، فمن أين لكم هذا الخير؟ ثم إن كثرة الأموال كان يجب أنْ تحملكم على نواحي الخير، وكثرة الأولاد كان ينبغى أنْ تجعلوا منهم (عزوة) لكم على الحق، إذن: كفركم بعد هذه النِّعَم دليل على أنكم استخدمتموها في الباطل وفي الظلم والطغيان.
وما أشبه قولهم: { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [سبأ: 35] بقول صاحب الجنة:
{ { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } [الكهف: 36] وهذا بَطَر بنعمة الله وغرور بها، فليس بين الله تعالى وبين أحد من خَلْقه قرابة ولا نسب، لينعم في الدنيا وينعم في الآخرة بلا عمل، فهؤلاء فتنتهم المال، وفتنتهم الذرية؛ لذلك يقول سبحانه محذراً: { { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } [التغابن: 14].
والحمد لله أنه قال (مِنْ)، فهي تفيد التبعيض، يعني: ما يزال في بعض الأزواج وفي بعض الأولاد عنصر الخير موجود.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ... }.