التفاسير

< >
عرض

وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ
٢٥
-فاطر

خواطر محمد متولي الشعراوي

يعني: يا محمد، خُذْ لك أُسْوة من إخوانك الرسل السابقين، فقد كُذِّبوا جميعاً، وهذه سنة مُتبعة، ولستَ أنت يا محمد بِدْعاً من الرسل. وقلنا: إن الله تعالى لا يرسل رسولاً إلا إذا عَمَّ الفساد وعَزَّ العلاج، فلا وجودَ للنفس اللوامة التي تُردع صاحبها عن المعصية، ولا للمجتمع الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، يعني: لا مناعة في الذات، ولا مناعة في المجتمع، فقد فسد هو الآخر، واجتمع أهله على الضلال، عندها لا بُدَّ أنْ تتدخل السماء برسول جديد يأتي بمعجزة تناسب الزمن الذي جاء فيه.
فقوله تعالى: { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [فاطر: 25] لأن الرسول ما جاء إلا ليواجه الفساد في المجتمع، وطبيعي أنْ يواجهه الضالون والظالمون والمتجبرون المستفيدون من هذا الفساد، وأنْ يُكذِّبوه؛ لذلك قال تعالى:
{ { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } [الأنعام: 123].
وقوله تعالى: { جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } [فاطر: 25] بالبينات يعني: بالشيء الواضح الذي يُبيِّن أن المتكلم صادق في التعبير والبلاغ عن ربه، وهذه هي المعجزة، إذن: فالرسول جاء بالمعجزة لتكون دليلاً على صدقه في البلاغ عن ربه، فليست المعجزة هي هدف الرسالة، إنما هدف الرسالة تبليغ الأحكام والمنهج.
ويعني { وَبِٱلزُّبُرِ } [فاطر: 25] أي: الكتب السماوية المنزلة مثل: صحف إبراهيم، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، لكن خص هنا الزبور والقرآن (الزبر والكتاب المنير)؛ لأن الزبور الذي أُنزِل على سيدنا داود امتاز بأنه مكتوب، ومكتوب بحروف منقوشة بارزة، لذلك كانت ثابتة ليست بمداد يُمْحَى مثلاً، فهي أشبه بالنقوش الحجرية، ويسمونها (الأُويمة).
والكتاب المنير هو القرآن الكريم؛ لأنه النور المعنوي الذي ينير للناس طريق الحياة ويهدي حركتهم، فإنْ كانت الشمس هي النور الحِسيّ الذي يهدي حركتك للحسيات، فالقرآن هو النور المعنوي الذي يهدي مَنْ آمن به.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... }.