التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ
٣
-فاطر

خواطر محمد متولي الشعراوي

الحق سبحانه يمتنُّ على عباده ويُذكِّرهم بنعمه عليهم، ويذكر أول هذه النِّعم، وهي نعمة الخَلْق من عدم، وأراد سبحانه أنْ يبرز لهم هذه المسألة إبرازاً يشاركه - سبحانه وتعالى - فيه، فلم يأت الأسلوب في صورة الخبر: أنا خلقتكم. إنما جاء في صورة الاستفهام ليقولوا هم ويُقِرُّوا { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [فاطر: 3].
ومعلوم أن الخبر عُرْضة لأنْ يُكذَّب، أمّا الاستفهام فلا تستطيع أن تكذبه، وأنت لا تستفهم عن شيء فعلْتَه إلا إذا كنتَ واثقاً أن الإجابة ستأتي على وَفْق مرادك، فحين ينكر شخصٌ جميلَك لا تقول له: فعلتُ لك كذا وكذا؛ لأنه ربما كذَّبك، إنما تقول: ألم أُقدِّم لك كذا يوم كذا؟ حينئذ لا يستطيع إلا أن يُقرَّ بجميلك، فلن يجد إجابة عن سؤالك إلا الإقرار.
كذلك الحق سبحانه يُقرِّرهم بنعمه ليكون الإقرارُ حجةً عليهم ويسألهم، وهو سبحانه أعلم { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ } [فاطر: 3] ثم يذكر هو سبحانه النتيجة { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [فاطر: 3] ولم يقولوها هم؛ لأنهم (مربوكون) وكان المنطق: ما دام هو سبحانه الخالق الرازق فعليهم أنْ يؤمنوا به، وقالها سبحانه بصيغة الغائب { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [فاطر: 3] ولم يقُلْ إلا أنا، كأنه سبحانه هو الشاهد في هذه المسألة، كأنه يتكلم عن الغيب.
وقوله { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [فاطر: 3] يعني: كيف بعد هذا تُصرفون عن توحيده وعن الإيمان به، وتُؤفكون من الإفك، وهو قَلْبُ الشيء عن موضعه وصَرْفه عن محله، ومن ذلك المؤتفكة، وهي القرى التى أهلكها الله، فجعل عاليها سافلها، وقَلَبها على وجهها.
والإفْكُ أيضاً بمعنى الكذب؛ لأنه يقلب الحقيقة، فكأن الحق سبحانه يقول لهم: كيف تقلبون الحقائق؟ وكيف تصرفون خَلْق الله ورِزْق الله إلى غيره سبحانه؟ يعني: قولوا لنا عِلّة ذلك.
وبعد أنْ تكلَّم الحق سبحانه عن الوحدانية والألوهية أراد أنْ يتكلم سبحانه عن مُرْسَل الألوهية إلى الخَلْق:
{ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ... }.