التفاسير

< >
عرض

وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً
٤٢
-فاطر

خواطر محمد متولي الشعراوي

قوله تعالى: { جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } [فاطر: 42] أي: اجتهدوا في القَسَم والحَلِف بأغلظ الأيمان { لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } [فاطر: 42] رسول { لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ } [فاطر: 42] أشد هداية { مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } [فاطر: 42] أي: أَهْدى من الأمم السابقة يعني: سيكونون في المقدمة.
والحق سبحانه يُوضِّح لنا هذا المعنى في موضع آخر، فيقول سبحانه:
{ { وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } [الصافات: 167-169].
وهذا كله قولهم بأفواههم، ويعلم الله أنهم كاذبون، لكنه سبحانه يُرخى لهم العنان، ولا يكشف هذا الكذب فيقول لهم: دَعْكم من الأوَّلين، وها هو الذكر الذي طلبتم وقلتم إنكم ستكونون به أهدى الناس، والمراد هنا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
{ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } [فاطر: 42] يعني: إعراضاً وتباعداً عن الحق وعن الهداية، لماذا؟ لأن الذكْر الذي جاءهم جاء على يد محمد، ولو جاء على يد رجل عظيم كما يقولون لَقَبِلوه:
{ { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] فيرد الله عليهم: { { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [الزخرف: 32].
عجيب منهم أنْ يريدوا قسمة رحمة الله على هواهم واختيار رسول الله كما يحبون
{ { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام: 124].
كيف والله قد قسم بينهم أبسط أمور حياتهم في الدنيا، فجعل هذا غنياً، وهذا فقيراً، وهذا قوياً، وهذا ضعيفاً.
لكن هذا القول منهم دليل على أن القرآن عندهم لا غبارَ عليه، وأنهم لا يُكذِّبون به مع أنهم قالوا عنه إنه سحر، وأنه كهانة، وأنه شعر، ومع هذا يعترفون بأن القرآن لا غُبار عليه، لكن آفته أنه نزل على محمد بالذات.
ثم يُبيِّن الحق سبحانه عِلَّة نفورهم، فيقول:
{ ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ وَلاَ يَحِيقُ... }.