خواطر محمد متولي الشعراوي
الشمس هي آلة الضوء الذي نسلخه عن الليل، ومعنى { تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } [يس: 38] أي: لشيء ولغاية تستقر عندها، والمتتبع لحركة الشمس يجد أن لها مطلعاً عاماً هو الشرق، وهذا المطلع العام يُقسَّم إلى مطالع بعدد أيام السنة. إذن: فمطالع الشمس مختلفة؛ لذلك رأينا قدماء المصريين في معابدهم يدركون هذه الحقيقة الكونية ويحسبونها بدقة، ويجعلون في المعبد 365 طاقة، تشرق الشمس كل يوم من واحدة منها بالترتيب، إلى أنْ تصل إلى أخرها في آخر السنة.
وقد عرف الإنسان أن للشمس مجموعة من الكواكب تدور حولها، وسماها المجموعة الشمسية، وهي تتكوَّن من سبعة كواكب: عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشتري وزحل ويورانوس، وقد أغرتْ هذه السبعة بعض العلماء مثل الشيخ المراغي والشيخ محمد عبده أن يقولوا إنها السماوات السبع، لكن في سنة 1930 اكتشف العلماء كوكباً آخر هو بلوتو، وبعدها بعشرين سنة اكتشفوا كوكباً آخر هو نبتون، فصاروا تسعة كواكب في المجموعة الشمسية، كلها في السماء الدنيا، ولا صلة بينها وبين السماوات السبع، لكن حاول الشيخان تقريب المسائل الدينية للفهم.
هذه الكواكب في المجموعة الشمسية لكل كوكب منها دورة حول نفسه، ودورة حول الشمس، من دورته حول نفسه ينشأ اليوم، ومن دورته حول الشمس ينشأ العام، والدورتان تختلفان في السرعة، فإذا كانت دورة الكوكب حول نفسه أسرعَ من دورته حول الشمس كان يومه أطولَ من عامه.
لذلك من الأشياء الملغزة التي تُقال في الجغرافيا: ما يوم أطول من عام؟ يوم الزهرة أطول من عامها، لأنهم لما حسبوا حركة الزهرة بالنسبة ليوم الأرض وجدوا أن عام الزهرة 225 يوماً من أيام الأرض، ويومها 244 من أيام الأرض، ذلك لأن سرعتها حول نفسها أكبر من سرعتها في دورتها حول الشمس.
فمعنى { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } [يس: 38] أي: الشمس بمجموعتها، وما يدور حولها من كواكب تجري إلى نجم يسميه علماء الفلك (الفيجا) والعرب تسميه (النسر) الواقع، والشمس تجري بمجموعتها بسرعة 12 ميلاً في الثانية، الشمس لها حركة والكواكب التي تدور حولها لها حركة، وهذه أشبه ما تكون بإنسان يركب مركباً، فكيف نحسب حركته وسرعته؟
إن كان هو ساكناً فسرعته تساوي سرعة المركب، وإذا كان يسير في نفس اتجاه المركب، فسرعتُه تساوي سرعته في ذاته (زائد) سرعة المركب، فإنْ كان يسير في عكس اتجاه المركب فسرعته تساوي سرعة المركب (ناقص) سرعته هو.
ومعنى { لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } [يس: 38] المستقر إما أن يكون نهاية العام، ثم تبدأ عاماً جديداً، وتشرق من أول مطلع لها، أو أن المستقر آخر عمرها ونهايتها حيث تنفض وتُكوَّر وتنتهي.
لكن، ما الذي يحرك هذه المجموعة الشمسية؟ وكيف تجري بهذه السرعة؟ ونحن نعلم أن الحركة تحتاج إلى طاقة تمدها، فما الطاقة التي تحرك هذه المجموعة بهذه الصورة وهذا الاستمرار؟ قالوا: إنها تجري، لأن الله خلقها على هيئة الحركة والجريان، لذلك تجري لا يُوقفِها شيء، وستظل جارية إلى أن يشاء الله، فلا يلزمها إذن طاقة تحركها، ومثال ذلك قوله تعالى: { { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ } [فاطر: 41].
وفي علم الحركة قانون اسمه قانون العطالة، وهو أن كل متحرك يظل على حركته، إلى أنْ تُوقفه، وكل ساكن يظلُّ على سكونه إلى أنْ تُحركه، وهذا القانون فسَّر لنا حركة الأقمار الصناعية ومراكب الفضاء التي تظل متحركة لفترات طويلة.
ونتساءل: ما الفترة التي تحركها طوال هذه المدة؟ إنها تتحرك؛ لأنها وضعت في مجالها على هيئة الحركة فتظل متحركة لا يُوقِفها شيء لأنها فوق مجال الجاذبية. إذن: كل الذي احتاجته هذه الآلات من الطاقة هي طاقة الصاروخ الذي يحملها، إلى أنْ يعبر بها مجال الجاذبية الأرضية، أما هي فتظل دائرة بلا طاقة وبلا وقود.
ثم يُذكِّرنا الحق سبحانه بفضله في هذه الحركة، فيقول { ذَلِكَ } [يس: 38] أي: ما سبق من حركة الليل والنهار وجريان الشمس { تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [يس: 38] يعني: كل هذا الجريان وكل هذه الحركة إنما هما بتقدير الله، وكلمة { ٱلْعَزِيزِ } [يس: 38] هنا مناسبة تماماً، فالمعنى أنه تعالى العزيز الذي لا تغلبه القوانين؛ لأنه سبحانه خالق القوانين.
ثم يقول سبحانه:
{ وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ ... }.