التفاسير

< >
عرض

إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ
٨
-يس

خواطر محمد متولي الشعراوي

يعطينا الحق سبحانه في هذه الآية تصويراً لحال هؤلاء الكافرين المعرضين عن اتباع الحق، فيقول: { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ } [يس: 8] الأغلال: مفردها غل، وهو الحديدة التي تمسك اليد وتشدّها تحت الذقن، وحين تشد اليد تحت الذقن ترتفع الرأس إلى أعلى، وبالتالي يرتفع مستوى النظر إلى أعلى، فلا يكاد يرى الإنسانُ طريقه، ولا يهتدي إلى موضع قدمه.
وهذه الصورة واضحة أيضاً في معنى كلمة { مُّقْمَحُونَ } [يس: 8] المقمح: مأخوذ من إبل قماح، وقماح الإبل أنها حين تذهب لشرب الماء تغرف منه، ثم ترفع رءوسها إلى أعلى.
قال بعضهم: إن هذه صورة رسمها الحق سبحانه لمن غَلَّ يده عن الصدقة وعن الإنفاق، كذلك تُغَلُّ يده إلى عنقه يوم القيامة، بحيث يؤثر هذا الغُلُّ في مساره الذي بنى عليه حركة حياته، والحق سبحانه يوازن دائماً بين ما فعله المستحق للجزاء والجزاء، فالجزاء من جنس العمل.
ومثال ذلك قوله سبحانه:
{ { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [التوبة: 34] هذا هو العمل، فما الجزاء { { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } [التوبة: 35].
هذه مواضع ثلاثة من الإنسان: الجِبَاه، والجُنُوب، والظُّهور جاءت بهذا الترتيب لتطابق تماماً ما فعله صاحب المال الذي كنز ماله وضَنَّ به على الفقير، فقد كان الفقير يأتيه فيلوى عنه جبهته ويعطيه جَنْبه، ثم يدير له ظهره وينصرف عنه، فجاء عذابهم على مقدار ما فعلوه.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً ... }.