التفاسير

< >
عرض

أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
١٦
أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ
١٧
قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ
١٨
-الصافات

خواطر محمد متولي الشعراوي

عجيب منهم إنكار البعث بعد ما سُقْناه إليهم من أدلة، حتى إنْ أنكروا أدلتنا وكذَّبوا بها، ألم يسمعوا من الأمم السابقة والرسالة التي مَضَتْ أن البعث حَقٌّ؟ إذن: هو العناد والاستكبار عن قبول الحق.
لذلك، فالقرآن الكريم يضرب لهم مثلاً ودليلاً على صِدْق الإخبار بالبعث، ويسوق هذه القصة من الأمم السابقة في سورة البقرة:
{ { أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة: 259].
هذه قصة واقعية؛ لأن القرآن حكاها لنا عن الأمم السابقة؛ لتكون دليلاً على قدرة الله على بَعْث الموتى، وهي قصة رجل باحث عن الحقيقة، جعله الله مثالاً ونموذجاً لنفسه أولاً، ولمن جاء بعده، فلما مَرَّ على القرية وهي على هذا الحال من الخراب استبعد أنْ تحيا بأهلها مرة أخرى، فأماته الله لِيُريه كيف يحيي الموتى.
وصدق الرجل في قوله
{ { لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [البقرة: 259] وصدق الله في قوله { { بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ } [البقرة: 259] كيف؟ لأن عظام الحمار التي تحولت إلى تراب دَلَّت على المائة عام، وطعامه الذي لم يتغير دَلَّ على يوم أو بعض يوم، وهذا ليس عجيباً، ما دام أن الفاعل هو الله عز وجل القابض الباسط، فهو وحده القادر على أنْ يجمع بين الضِّدّيْن، فيقبض الزمن في حَقِّ قوم، ويبسطه في حق آخرين.
ألم يأمر نبيه موسى - عليه السلام - أن يضرب بعصاه البحر، فصار الماء كُلُّ فِرْق كالطود العظيم، وأمره أنْ يضرب بعصاه الحجر، فانبجست منه اثنتا عشرة عَيْناً؟ إذن: هي طلاقة القدرة.
وعجيبٌ منهم أيضاً أنْ يسألوا عن الآباء، مع أن قضية البعث واحدة، فقولهم { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } [الصافات: 17] دليل على تخبُّطهم، أو ربما فهموا أن الذي سيموت حديثاً (طازة) يعني: هو الذي سيُبعث، أما القديم فبَعْثه غير ممكن.
ويردُّ الله عليهم (قُلْ) يعني: قل لهم يا محمد بمِلءْ فِيكَ (نَعَمْ) يعني: ستُبعثون، والنبي يقولها قَوْلة الواثق؛ لأنه مأمور بها من قِبَل الله القادر على أنْ يبعث الخَلْق { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ } [الصافات: 18] يعني: ستُبْعَثون حال كونكم { دَاخِرُونَ } [الصافات: 18] يعني: صاغرين أذلاء خاضعين، جزاءَ الَّلدَد والعناد والاستكبار على قبول الحق في الدنيا، كما قال تعالى في موضع آخر:
{ { بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } [الصافات: 26].