التفاسير

< >
عرض

وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
٢٧
قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ
٢٨
قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ
٢٩
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ
٣٠
-الصافات

خواطر محمد متولي الشعراوي

تأمل هذه المواجهة بين التابع والمتبوع، بعد أنْ ظهرت خيبة الجميع وتكشَّفَتْ الحقائق التي طالما أنكروها في الدنيا وكذَّبوا بها، إنهم الآن يُلْقي كل منهم بالمسئولية على الآخر، ويتساءلون فيما بينهم.
{ قَالُوۤاْ } [الصافات: 28] أي: الأتباع { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } [الصافات: 28] اليمين يعني من جهة اليمين، واليمين منه اليمن والتيمن، واليمين جهة الخير؛ لذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالتيمُّن في كل شيء، فبها نُسلِّم، وبها نأكل ونشرب، ونتناول الأشياء ونكتب، لأنها مُشرَّفة مُكرَّمة، حتى العرب قديماً كانوا يتفاءلون بجهة اليمين لو طار الطيرُ ناحية اليمين.
واليمين أيضاً من معانيها أنها مصدر القوة في الفعل، وغالبية الناس يستخدمون اليمين، وهي عندهم الأقوى، وقد سُئِلْنا مرة عن الذين يعملون بالشمال: هل ننهاهم عن ذلك؟ نقول: العمل باليمين أو اليسار ليس مجرَّد تعوُّد، إنما هو تكوين طبيعي في الجسم، ففي الجسم مركز يتحكم في توزيع القوة، فبعض الناس يميل مركز القوة عندهم ناحية اليمين، فتكون يمينه أقوى من شماله، وبعضهم العكس، وبعضهم يتساوى عنده مركز القوة، فيعمل باليمين ويعمل باليسار بنفس القوة، وهذا يُسمُّونه (الأضبط) مثل سيدنا عمر رضي الله عنه.
ومن معاني اليمين أيضاً الحَلف والقَسَم، وهذه المعاني كلها واردة في معنى هذه الآية { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } [الصافات: 28] يعني: من جهة الخير والحق لتصرفونا عنه، أو من ناحية البطش والقوة لتجبرونا على الفعل، أو بالحلف يعني: تحلفون لنا أن هذا هو الطريق الصحيح، لا طريق غيره.
ويرد المتبوعون على التابعين { قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [الصافات: 29] يعني: ما أخرجناكم من الإيمان إلى الكفر، بل كنتم بطبيعة الحال غير مؤمنين، وبمجرد أنْ أشرنا إليكم سِرْتم خلفنا وتابعتمونا { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } [الصافات: 30] والسلطان إما سلطانُ قوة يقهركم على الفعل، وإما سلطان حجة يقنعكم بالكفر، فليس لنا عليكم لا سلطانُ قوة وقهر، ولا سلطان حجة وإقناع.
{ بَلْ كُنتُمْ } [الصافات: 30] بطبيعتكم { قَوْماً طَاغِينَ } [الصافات: 30] أي: متجاوزين للحدِّ في الكفر وفي الضلال. وهذه تعليمة إبليس يقولها لأتباعه في الآخرة حين يتبرأ منهم ويُلقي عليهم مسئولية كفرهم، كما حكاه القرآن الكريم:
{ { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [إبراهيم: 22].