التفاسير

< >
عرض

رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ
٥
-الصافات

خواطر محمد متولي الشعراوي

وفي آية أخرى قال: { { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } [طه: 6] وهذا الذي تحت الثرى هو الذي يحتاج مِنّا إلى بحث لنصل إليه ونكتشفه ونُخرجه كما قلنا من عالم الملكوت إلى عالم الملْك.
هنا قال { وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ } [الصافات: 5]، وفي موضع آخر قال:
{ { بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ } [المعارج: 40] إذن: الحق سبحانه يُبْقي لألمحية الالتقاط الذهني من الألفاظ موضعاً، فما دام هناك مشارق إذن لابد أنْ يقابلها مغارب؛ لأن الشمس لا تشرق على قوم إلا وتغرب عن آخرين، إذن: عرفناها باللزوم.
وحين نستعرض هاتين الكلمتين في كتاب الله نجد أنهما تأتيان مرة بصيغة المفرد
{ { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } [المزمل: 9]، وتأتي بصيغة المثنى { { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } [الرحمن: 17]، وتأتي بصيغة الجمع { { بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ } [المعارج: 40].
ذلك لأنه إذا خاطب الإنسان الواحد في المكان الواحد قال المشرق والمغرب، لأن لكل مكان مشرقاً ومغرباً، فإنْ تعدَّدتْ الأماكن تعددت المشارق والمغارب، فنحن مثلاً في القطر الواحد نلاحظ أن مغرب القاهرة غير مغرب الأسكندرية، فإذا نظرنا إلى كل الأمكنة في الكرة الأرضية علمنا أن المشارق والمغارب لا تتناهى، ففي كل نصف ثانية مشرق ومغرب.
لذلك قلنا: من حكمة الخالق سبحانه في دورة الأرض حول نفسها، وحول الشمس أنها تُوزع مقومات الحياة في الكون كله، فلو ظَلَّتْ الشمس مواجهةً لمكان واحد لاحترق، ولو ظلَّتْ غائبة عن مكان لَتجمَّد. ونتيجة هذه الحركة يظل الحق سبحانه معبوداً في كل أوان بكل عبادة، كما سبق أن أوضحنا أنه في اللحظة الواحدة يُصلَّى الصبح عند قوم، والظهر عند آخرين، والعصر عند آخرين، والمغرب والعشاء، وهكذا على مَدار اليوم والليلة.
أما قوله تعالى
{ { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } [الرحمن: 17] قالوا: المشرقان يعني: المشرق والمغرب، أو مشرق الصيف ومشرق الشتاء.
ثم يقول سبحانه:
{ إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ... }.