التفاسير

< >
عرض

إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ
٢٣

خواطر محمد متولي الشعراوي

نلحظ في كلمة (أخي) لَوْناً من التحنين، فمع وجود الخصومة لكن هو أخي كما في قوله تعالى: { { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } [الشعراء: 106] وفي أعنف ألوان العداوة، وهي الثأر يقول سبحانه: { { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } [البقرة: 178] يريد أنْ يُحنِّن قلب وليِّ الدم على القاتل.
القضية: { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ .. } [ص: 23] كلمة نعجة تطلق في اللغة ثلاثة إطلاقات: أنثى الضأن، أو الشاة الجبلية، أو البقرة الوحشية { فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا } [ص: 23] يعني: اجعلها لي أكفلها أنا فعندي غنم كثيرة، فاجعلها ترعى مع غنمي، فيكفينا راعٍ واحدٌ بدل أنْ تكلف نفسك راعياً لها، والمعنى أن كفالتها سهلة عليَّ لا تكلفني شيئاً.
{ وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } [ص: 23] يعني: غلبني بالحجة والجدال، ومعلوم أن القاضي يحكم بالحجة والبرهان، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، فلعلَّ أحدكم أن يكون ألحنَ بحجته فأقضي له، فمَنْ قضيتُ له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أُقطع له قطعةً من النار" .
فالمعنى أن أخي غلبني بحديثه وتمكُّنه من حجته، وأنا أشعر بالظلم ونفسي غير راضية؛ لذلك جئتُكَ أرفع أمري إليك لتحكم فيه، وهكذا سمع داود - عليه السلام - دَعْوى الأول ولم يسمع الطرف الآخر، وهذه زلة من زلات القاضي.
لذلك قال أهل المعرفة في هذه المسألة: إذا جاءك صاحب دَعْوى وقد فُقِئت عينه فلا تحكم له حتى تسمعَ من الآخر، فلعله قد فُقِئت عيناه. لقد بادر سيدنا داود بالحكم، فقال:
{ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ ... }.