التفاسير

< >
عرض

أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ
٨

خواطر محمد متولي الشعراوي

هذه نَقْلة أخرى في جدالهم وتكذيبهم لرسول الله، فقبل ذلك كانوا يعترضون على بشرية الرسول، ويطلبون أنْ يكون الرسول مَلَكاً، والآن يتنازلون عن هذا المبدأ ويتحوَّلون إلى الذات، كما قال تعالى في موضع آخر: { { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31].
يعني: لماذا محمد بالذات، وفينا أناس عظماء وسادة كانوا أَوْلَى منه بالرسالة؟ وهنا قالوا: { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } [ص: 8] لذلك الحق سبحانه يرد عليهم
{ { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } [الزخرف: 32] فجعل نبوته صلى الله عليه وسلم رحمة بهم. { { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } [الزخرف: 32].
يعني: كيف تتدخلون في هذه المسألة الهامة، تريدون أنْ تقسموا رحمة الله، والله هو الذي قَسَم لكم أمور الدنيا الهيِّنة، فجعل منكم سادة وعبيداً وأغنياء وفقراء .. إلخ إنْ كان الحق سبحانه هو الذي ينظم لكم أبسطَ أمور حياتكم، فكيف تطمعون في أنْ تقسموا أنتم فضل الله ورحمته؟
{ { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام: 124] وذلك فَضْل الله يؤتيه مَنْ يشاء.
وقوله تعالى: { بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي } [ص: 8] الذكْر هنا يعني القرآن، وكأن الحق سبحانه وتعالى يُسلِّي رسوله ويطيب خاطره، كما خاطبه في موضع آخر بقوله:
{ { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [الأنعام: 33].
والمعنى: لا تحزن يا محمد. فقومك لا يُكذِّبونك أنت إنما يُكذِّبون ما جئتَ به من الذكر، فأنت عندهم الصادق الأمين الذي لا غبارَ عليه، يعني المسألة ليست متعلقة بك وبشخصك أنت، إنما متعلقة بي أنا، فكأن الله تعالى حملها عن رسوله ليُطمئنه ويُسلِّيه ويُخفِّف عنه ما يلاقي من عناد قومه له.
وقوله سبحانه: { بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } [ص: 8] هذا لون من ألوان التهديد، يعني: لن يظلوا على هذه الحال من السلامة والنجاة فعذابهم قادم؛ ذلك لأن (لما) تفيد نَفْي الحدث في الماضي مع إثبات حدوثه في المستقبل، تقول: فلان لم يأْتِ يعني في الماضي وقد لا يأتي في الحاضر والمستقبل، إنما فلان لمَّا يَأْتي يعني: لم يأت في الماضي، وسوف يأتي في الحاضر أو المستقبل، فمعنى { لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } [ص: 8] يعني: حتى الآن لم ينزل بهم عذاب الله، لكن ينزل لا محالة.