التفاسير

< >
عرض

بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ
٦٦
-الزمر

خواطر محمد متولي الشعراوي

كلمة (بل) حرف يفيد الإضراب عن الكلام السابق وإثبات ما بعدها، يعني: اعرض عن دعوتهم لك أنْ تعبد آلهتهم، وإياك أن تميلَ إليهم { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ } [الزمر: 66] وليؤكد عبادة الله وحده حتى جاء بهذا الأسلوب (بل الله فاعبد) وقدَّم المفعول به على الفعل، وهذا يُسمَّى أسلوبَ قصر. يعني: قصر العبادة على الله وحده دون سواه، كما في قوله تعالى: { { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } [الفاتحة: 5].
فتقديم الضمير المنفصل العائد على الحق سبحانه على الفعل نعبد يعني: نعبدك أنت فقط لا نعبد غيرك، أما لو قُلْنا: نعبدك تحتمل ونعبد غيرك. وقوله: { وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [الزمر: 66] الشاكرين الله على الهداية والتوفيق، لأنْ تعبده وحده وتشكره على ما تقدم لك من النعم، وما هذه النعم إلا (عربون) للنعيم الدائم الذي ينتظرك.
ومن عجائب لطفه تعالى بنا أنْ شرع لنا من الأحكام افعل ولا تفعل ما فيه الخير لنا في دنيانا، ثم يُثيبنا عليه في الآخرة إنْ أطعنا ويُخوِّفنا بالعذاب إنْ عصينا، فهو سبحانه لطيف بنا حريص على نجاتنا، مع أنه سبحانه لا ينتفع من ذلك بشيء، فلا تنفعه طاعة ولا تضره معصية.
واقرأ الحديث القدسي عند رب العزة سبحانه:
"يا عبادي .. لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدْخِل البحر" .
فاعلم أيها العبد أن ربك يحبك ويريد لك الفوز والنجاة فأنت عبده وأنت صنعته، والصانع يريد لصنعته أنْ تكون على أحسن حال.