التفاسير

< >
عرض

ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ
١٢
-غافر

خواطر محمد متولي الشعراوي

الحق سبحانه وتعالى حينما تكلَّم عن العقائد وأيَّدها بالمعجزات، كان من الواجب أن نستقبل أحكامه تعالى فيها بالرضا والقبول، فلم يكلفنا سبحانه بحكم افعل ولا تفعل إلا بعد أنْ قدَّم حيثيات الإيمان الأعلى بالإله الأعلى، وآمن مَنْ آمن به وكفر مَنْ كفر رغم كل مصالحنا في تنظيم حركة الحياة بمنهج الله.
فإذا حكم علينا بحكم فيجب أن نطيعه، وإذا استقر في أذهانكم شيء يخالف ذلك فإنَّ واقعكم يؤيد أنكم لم تؤمنوا بقلوبكم { ذَلِكُم } [غافر: 12] أي: ما يحدث منكم من مواجهة الدعوة ومصادمتها ووقوفكم هذا الموقف المعادي ناشئ من { إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ } [غافر: 12] أي: كفرتم به.
وفي موضع آخر قال سبحانه:
{ { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [الزمر: 45].
أي: ظهر عليه الامتعاض والضيق لما سمعوا كلمة الله، لماذا؟ لأنهم يعلمون معنى الإيمان وما يترتب عليه من تكليف بمنهج: افعل كذا ولا تفعل كذا، يعلمون أن هذا المنهج يقيد شهواتهم فينهاهم عن أشياء مُحبَّبة إليهم ويدعوهم إلى أشياء أخرى ثقيلة على نفوسهم، لذلك إذا ذكَّرتهم بالله وبمنهج الإيمان امتعضوا في حين إذا ذكر غيره سبحانه من آلهتهم { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [الزمر: 45] ويفرحون، لماذا؟
لأن هذه الآلهة التي اتخذوها من دون الله ليس لها مطلوب ولا تكاليف بافعل ولا تفعل. إذن: أنتم مع هذه العبادة متروكون على هواكم، وعلى سيئات نفوسكم، هذا معنى الاستبشار ومعنى { وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ } [غافر: 12].
لكن بقيتْ حقيقة ينبغي ألاَّ تغيب عن أذهانكم: { فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } [غافر: 12] فافرحوا بآلهتكم المزعومة كما تشاؤون، فأنا سأحكمكم بقدري قهراً عنكم فأمرضكم كما أحب، وأميتكم متى أشاء وأُفقركم وأغنيكم .. إلخ فلن تخرجوا أبداً بشيء عن ملكي إلاَّ فيما جعلتُ لكم فيه اختياراً.
فأنتم مختارون في الإيمان والكفر فمَنْ شاء فليؤمن ومَنْ شاء فليكفر، مَنْ شاء فليطع ومن شاء فَليعصِ ولن تنفعني طاعتكم، ولن تضرني معاصيكم، ومهما تمردتم في الأمور التي لكم فيها اختيار فإنَّ مردكم إليَّ ومنتهاكم عندي.
{ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } [غافر: 12] الذي لا يمكن أبداً لأحد أنْ يتمرد على قدره، فإن كنتم ألفتم التمرد في الإيمان وفي الطاعة فأرُوني كيف تتمرَّدون على الله فيما لا اختيارَ لكم فيه.
ثم يذكر الحق سبحانه حيثيات العلو والكبرياء له سبحانه:
{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ ... }.