التفاسير

< >
عرض

فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ
١٥
-فصلت

خواطر محمد متولي الشعراوي

قوله عن عاد: { فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ .. } [فصلت: 15] هل يعني أن هناك استكباراً بالحق؟ قالوا: نعم تستكبر في قومك ليكونَ لهم كبير يردعهم إنْ مالوا، لأن عادة الناس إنْ لم يكُنْ لهم كبير يُهَاب ويُرْجَع إليه اختلطتْ عندهم الأمور وماجوا في بعض وتعدّوْا.
وهذا استكبار بحق، لأنه يُصوِّب حركة الأفراد، ولا بدّ أنْ يكون من كبير كما يقولون عندنا في الريف (اللي ملوش كبير يشتري له كبير) لماذا؟ لتعتدلَ الأمور، ولا تكون فوضى، وصدق القائل:

لاَ يَصْلُح النّاسُ فوضى لا سَراة لهُمْ وَلاَ سَراةَ إذَا جُهَّالُهمْ سَادُوا

هذا استكبار بالحق، لأن له رصيداً يسمح له بالاستكبار، أما الاستكبار بغير الحق فهو الاستكبار بلا رصيد وبلا داعٍ كالذي يستكبر بقوته أو سلطانه أو غير ذلك من العوارض التي تنزع من الإنسان.
{ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً .. } [فصلت: 15] وكذبوا في هذه أيضاً، وظهر جهلهم لأن الله تعالى أشدّ منهم قوة { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً .. } [فصلت: 15] قولهم: { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً .. } [فصلت: 15] استفهام إنكاري يعني: لا أحدَ أشدّ منا يأمرنا فنطيعه لأننا الأقوى.
نعم، لكم حق في هذه، لكن ما قولكم في أن الله الذي خلقكم هو أشدّ منكم قوة، أليس ذلك دليلاً على وجوب طاعتكم له؟ إذن: المنطق كان يقتضي أنْ تتصاغروا لمن أرسله الله إليكم، وأنْ تطيعوه طاعة لله الذي أرسله.
نعم لا يصح للقويِّ أنْ يرضخ لطاعة الضعيف، لكن نسألكم: أنتم أقوى أم الله؟ لا بدَّ أنْ يقولوا الله لأنهم معترفون له بالخَلْق، فلماذا عاندتموه وصادمتم رسله؟ أنتم صحيح أقوى على بعض الخَلْق، لكنكم ضعافٌ أمام مَنْ خلق الخَلْق.
وقوله: { وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } [فصلت: 15] الجحود هو إنكار الشيء لجاجةً وعناداً كما قال تعالى:
{ { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً .. } [النمل: 14] ففي حين يستيقنون بالآيات ويؤمنون بها في أنفسهم يجحدونها بظاهرهم، فما الجزاء؟