التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
٣٠
-فصلت

خواطر محمد متولي الشعراوي

قالوا: ربنا الله، هناك لَفْظاً رب وإله. ولكل لفظ منهما مجالٌ ومعنىً: فالربُّ هو الذي يربِّي ويخلق ويتعهَّدنا بالنعم والأفضال، ومنه قولنا: نربيه. يعني: نعطيه ما يُؤهله لمهمته، فالله ربٌّ خلق من عدم وأمدَّ من عُدم، وظل يأخذنا بحنان يُوضع لبعضنا في بعض، إلى أنْ نقوى ويشتد ساعدنا، ثم يكلفنا بعد ذلك تكليف الألوهية.
إذن: فعطاء الربوبية عطاء عام يعمُّ المؤمنَ والكافرَ، والطائعَ والعاصي. فالله رَبُّ الجميع وَسِع فضله كلَّ خَلْقه، خلقك وخلق لك مقومات حياتك قبل أنْ يخلقك، وجعل لك عقلاً تُميِّز به وتختار بين البدائل، فإنْ أحسنتَ التصرف بعقلك فيما أعطاك من مقومات تأخذ ثمرتها، وإنْ لم تحسن فأنت الخاسر، إذن: عطاء الربوبية للجميع، والأسباب مُتاحة للجميع تعطي مَنْ يستحق العطاء حتى لو كان كافراً.
ولذلك تجد في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام حينما قال:
{ { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ .. } [البقرة: 126] إذن: طلب الرزق فقط لمَنْ آمن، فصحَّح اللهُ له هذه المعلومة، وقال: { { وَمَن كَفَرَ .. } [البقرة: 126] لأن رزقي لكل خَلْقي، سواء آمن أو لم يؤمن لأنه خَلْقي وصنعتي، وأنا الذي استدعيتُه للوجود، فعليَّ رزقه وعليَّ مقومات حياته، هذا عطاء الربوبية.
وسيدنا إبراهيم طرق بابه ليلاً طارقٌ يريد أنْ يبيتَ عنده، فسأله أولاً عن دينه، فعلم أنه غير مؤمن، فأغلق الباب في وجهه، فانصرف الرجل، وعاتب الله نبيه إبراهيم، وقال له: يا إبراهيم وسعتُه في مُلْكي ولم أقطع عنه رزقي مع كفره بي، وأنت تريد أنْ تغير دينه في ليلة تستضيفه فيها؟
فأسرع سيدنا إبراهيم خلف الرجل حتى لحق به وأخذه في ضيافته فتعجب الرجل وقال: لقد جئتك فرددتني. فقال له: لكن ربي عاتبني فيك، فقال الرجل: أعاتبكَ ربك في شأني؟ قال: نعم، قال: فنعْم الربُّ رَبٌّ يعاتب أنبياءه في أعدائه، ثم قال: أشهد ألاَّ إله إلا الله، وأنك رسول الله.
لذلك كثيراً ما نتعجَّب من عطاء الله الواسع لغير المؤمنين، وأن في أيديهم كلَّ نعيم الدنيا وزخرفها في حين يُحرم منها المؤمن، ولا عجبَ في ذلك لأن هذا عطاءُ الربوبية، وهؤلاء أحسنوا استغلالَ الأسباب فأعطتْهم، ولو أحسنتم أنتم كذلك لأعطتكُمُ الأسباب.
واقرأ قول الله تعالى:
{ { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً .. } [الزخرف: 33-35].
وتأمل، ما المعارج؟ هي المصاعد التي لم نعرفها نحن إلاَّ في القرن العشرين، أخبرنا القرآن بها قبل أربعة عشر قرناً، هذه من معجزات القرآن التي ينثرها علينا من حين لآخر.
فقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ .. } [فصلت: 30] يعني: اعترفوا له سبحانه بالربوبية، وأقرُّوا أنه سبحانه هو الذي خلقنا وربَّانا وأعطانا وأنعم علينا، ومن العجيب أنه لم يُكلِّفنا إلا بعد أنْ بلغنا أشدّنا، يعني: تركني أربع في الدنيا وأنعم بنعمه خمسة عشر عاماً دون أنْ يُكلِّفني بشيء، لماذا؟
لأنه لا يكلفك إلا بعد تمام تكوينك واكتمال قوتك، لأنه لو كلفك قبل ذلك ثم طرأ عليك تغيير في الخِلْقة وزيادة في نمو بعض أعضائك لقلت له: يا رب لقد كلَّفتني ثم حدث لي تغيير في كذا وكذا، ولم أعُدْ صالحاً لهذا التكليف.
ومتى تبلغ أشدّك؟ قالوا: حين تكون صالحاً لإنجاب مثلك، عندها يكون اكتمال الخَلْق وتمام الرجولة، ونحن نلاحظ هذا في الثمار، فالثمرة الناضجة تعطي بذرة ناضجة لو وُضِعَتْ في الأرض لأنبتتْ شجرة، خُذْ مثلاً بطيخة قبل نضوجها تَجد لُبَّها أبيض وطعمها مائعاً، لماذا؟ لأنها لم تنضج بَعْد ولو زُرعت بذرتها لم تنبت.
فكأن الله يحرس الثمرة حتى تنضج البذرة، وتصير صالحة لإنبات شجرة جديدة، هذا نُسَميه استبقاء النوع، وإلا لانقرضَ النوعُ ولو نضجتْ البطيخة وحَلاَ طعمها قبل بذرها لأكلناها وما سألنا في مسألة البذرة والإنبات من جديد، ولَمَا كان هناك بقاءٌ للنوع.
ولذلك إذا غفلتَ عن الثمرة حتى استوتْ على عُودها ولم تقطفها وقعتْ لك هي على الأرض، وكأنها تقول لك: خُذْني لأنها ستؤدي مهمة اللذة في الطعم لك، ومهمة إنبات شجرة جديدة من نفس النوع.
والخَلْق على نوعين: خَلق أول، وخَلْق ثَانٍ. الأول: خلق أصول الأشياء. والثاني: خلق فروعاً من أصول الأشياء؛ لذلك السيدة مريم لمَّا قال لها يوسف النجار بعد أن ظهرت عليها علامات الحمل: يا مريم، أتوجد شجرة بلا بذرة؟ قالت: نعم الشجرة التي أنبتتْ أول بذرة. هذا هو الخَلْق الأول كخلق آدم عليه السلام خُلِق أولاً، ومنه تناسل الناس.
إذن: التكليف لا يكون إلا بعد سِنِّ البلوغ واكتمال الرجولة، والذي يُكلِّفنا هو الله، فالربُّ خلق ورزق وربَّى، والله كلَّف وأمر بالعبادة، فالله هو المعبود يعني: مُطاع في أمره ونَهْيه، وقبل أنْ يكون مُطاعاً في أمره ونهيه أعطاك عطاءَ ربوبية، فكأنه قدَّم الخير لك أولاً قبل أنْ يأمرك بعبادته، فلا أقلَّ من أنْ تقدم الخير بأنْ تطيع مَنْ رباك.
ولذلك جعل منزلة خاصة للأبوين، وأوصى ببرِّهما، وحذَّر من عقوقهما، وجعل عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، لماذا؟ قالوا: لأن الله أراد أنْ يروِّضك ويعلمك أنْ تحترم مَنْ كان سبباً مباشراً في وجودك، ثم بعد ذلك ينقلك إلى احترام سبب وجودك غير المباشر، وهو الله سبحانه؛ لذلك قال:
{ { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً .. } [النساء: 36].
فالحق سبحانه حينما يأمرنا ببرِّ الوالدين إنما يدربنا على عرفان الحق لله تعالى، فالله أوجد الخَلْق الأول، والوالدان أوجدا الخلق الثاني، وجعل احترام سبب الإيجاد الثاني وسيلة لاحترام سبب الإيجاد الأول.
إذن: نقول الربوبية عطاء، والألوهية تكليف، لكنه تكليف يعطيك أولاً لأنك في الدنيا، وعمر الدنيا هو مقدار وجودك أنت فيها، ولا دخْلَ لك في عمر الدنيا من لدُنْ آدم حتى قيام الساعة، لأن هذا الزمن كله لا يعنيك وهذه محكومة من الله طولاً، هذا يعيش عشرة أعوام، وهذا خمسين، وهذا مائة، فَطُول الأجل لا دخلَ لأحد فيه.
فبعد أن ذكر الحق سبحانه لنا طرفاً من الأمم المكذبة المعاندة للرسل وما آل إليه أمرهم من العذاب، يذكر سبحانه المقابل وهم أهل الإيمان والاستقامة على الجادة، فيقول تعالى:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ .. } [فصلت: 30] قلنا: العمل قول وفعل. فالقول عمل اللسان ويقابله الفعل، وهو عمل باقي الجوارح: فالرؤية للعين، والسمع للأذن، واللمس لليدين، والسعي للقدمين .. إلخ وكلٌّ من القول والفعل يُسمى عملاً.
فما عمل القلب؟ القلب من الناحية المادية هو الوعاء المسئول عن ضخ الدم، وهو سائل الحياة إلى باقي أجزاء الجسم، وهو وعاء الإيمان والاعتقاد، فإذا ما عمر باليقين والإيمان أشاع ذلك في كل ذرة من ذرات الجسم، لذلك نقول: عمل القلب الاعتقاد، والعقيدة هي الشيء المعقود الذي لا يُحَلُّ، الشيء الذي استقر في القلب فلا يخرج ليناقشه العقل من جديد.
قنا: إن الفكرة تُعرض أولاً على العقل ليبحثها ويناقشها، فإن اطمأن إليها ألقاها إلى القلب لتستقرّ فيه عقيدة راسخة، فالقلب إذن لا يستقبل إلا عقائدَ ثابتة، وهذه العقائد هي التي ستكون مبدأ لك في حركات حياتك.
ومن هنا نعلم أهمية دور اللسان وخطورته، فله نصف العمل، ولباقي الجوارح النصف الآخر، ثم هو المعبِّر عنك المصفح عَمَّا بداخلك، والجوارح كلها ينبغي أنْ تتفاعل مع الكون تفاعلاً إيجابياً، فالأذن تسمع، والعين ترى، والأنف يشم، واليد تلمس، فالجوارح تعطيني مادة الفكر وبها يصل المؤمن إلى آيات الله في الكون، بها يُعرف النافع ويُعرف الضار فيأخذ منها النافع ويبتعد عن الضار، فالأذن تسمع كل شيء، وعليك أن توجهها لسماع الخير وتبتعد بها عن سماع الشر
{ { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } [الفرقان: 72].
والعين تنظر بها إلى بديع صُنْع الله في كونه، وتغضُّها عن محارمه، وها هو الكون أمامك كتاب مفتوح، وما عليك إلا أن تقرأ ما فيه من آيات ومعجزات، والسماء وما فيها من شمس وقمر ونجوم وأجرام ومجرَّات كلها تسير بنظام دقيق محكم، والأرض وما فيها من عناصر وما تنبته لنا من خيرات.
والحق سبحانه حينما يُحدِّثنا عن هذه الخيرات ويمتنُّ علينا بهذه النِّعم يُذكِّرنا بقدرته تعالى على زوالها ونقضها، وكيف أنه لو شاء سبحانه لحرمنا، بل ولحوَّل لنا هذه النعم إلى نقم والعياذ بالله، لذلك لنا وقفة مع قوله سبحانه عن الزرع:
{ { ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } [الواقعة: 64] نعم نحن نحرث ونروي ونباشر، لكن الإنبات بيد مَنْ؟ ثم يُذكِّرنا سبحانه بقدرته على نقض هذه النعمة { { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } [الواقعة: 65].
ثم يُحدِّثنا عن نعمة الماء، وكيف ينقضها:
{ { أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ * ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } [الواقعة: 68-70].
لكن حين يُحدِّثنا الحق سبحانه عن نعمة النار يتركها دون أنْ يذكر ما ينقضها:
{ { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } [الواقعة: 71-72].
هكذا دون أنْ يذكر ما ينقضها كسابقها، لماذا؟ قالوا: لأن هذه هي النار النافعة الصحية التي لا ضررَ فيها نوقدها لننتفع بها، وكل نار بعدها لها ضرر، لذلك لم يقل الحق سبحانه مثلاً: لو نشاء لجعلناها رماداً، ذلك لتظل النار باقية تُذكِّرنا بنار الآخرة.
ثم لك أنْ تلحظ عظة الأداء القرآني ودقته في التعبير، فلما تكلم عن الزرع قال:
{ { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً } [الواقعة: 65] هكذا بلام التوكيد، لماذا؟ ليؤكد قدرته تعالى على الذهاب بالزرع مهما كان، والزرع للإنسان دور فيه وتدخّل، فهو يحرث ويروي ويباشر، إنما حين تكلم عن خَلْق الإنسان وعن الماء لم يذكر في ذلك توكيداً؛ ذلك لأن مسألة الخلق ومسألة نزول الماء من السماء لا دخْلَ للإنسان فيها.
والآيات في كَوْنِ الله كثيرة صنَّفها العلماء إلى ثلاثة أقسام:
آيات كونية: تثبت قدرة الخالق كالليل والنهار والشمس والقمر، ثم آيات معجزات: صاحبتْ رسل الله لتثبت صدقه في البلاغ عن الله، وآخرها آيات الأحكام: وهي آيات القرآن الكريم التي تحمل منهج الله للناس. وهذه كلها تخدم قضية اليقين والإيمان بالله.
فإذا أُشْرِبَ الإنسان العقيدة الإيمانية أعلنها بلسانه فرحاً بها. وهنا يأتي دور اللسان المعبِّر عما في القلب والقائد لباقي الجوارح، لذلك ورد في الحديث الشريف أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من يوم إلا وتنادي الجوارحُ اللسانَ تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإذا استقمتَ استقمنا، وإذا اعوججتَ اعوججنا" .
فقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } [فصلت: 30] دلَّ على قول المؤمنين الذي رسخ الإيمانُ في قلوبهم، فعبَّرت عنه الألسنة { رَبُّنَا ٱللَّهُ } [فصلت: 30] مُوجدنا ومربِّينا الذي خلقنا من عدم، وأمدنا من عُدْم، وأعطانا الأمن والأمان، لأنه القائل: { { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } [البقرة: 255].
فالإنسان إنْ أراد حارساً استأجر له حارساً، فكيف به إذا نام حارسه، أما أنت أيها المؤمن ففي حراسة الله فنَمْ مطمئن القلب، لأن حارسك لا تأخذه سِنَة ولا نوم.
فالمؤمن حين يباشر كل هذا النعيم، وحين يرى مقومات حياته في متناول يده من طعام وشراب، وأمن وسلام، هواء يتنفسه وأرض تعطيه كل ما يشتهي، يفرح بعطاء الله له ولا يملك إلا أنْ يقول (رَبُّنَا اللهُ) لأنها أًصبحت عقيدة ثابتة في القلب.
وما دام ربك الله، فلا تحزن ولا تهتم لأمر الدنيا فاللهُ مُتولِّي أمرك، إنك ترى الولد في حياة أبيه لا يحمل هَمَّ شيء، ولا يفكر في غلاء الأسعار، ولا في توفير القوت والسلع والملابس .. إلخ لأن والده موجود، فما بالك إنْ كان الله هو الذي يتولاك؟ والله إن المؤمن الحق ليستحي أنْ يحمل همَّ الرزق أو العيش، وهو يعلم أن ربه الله.
وما دام { رَبُّنَا ٱللَّهُ } [فصلت: 30] فلا كَرْبَ وأنت رَبٌّ. ربك سيتولاك، ويبعد عنك كل سوء، ويكفيك كل ما أهمك.
تذكرون قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون، فلما اتبعه فرعون بجنوده
{ { قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [الشعراء: 61] هكذا يقول واقع الأحداث، فأمامهم البحر وخلفهم جنود فرعون ولا مفرّ، لكن ماذا قال موسى؟ قال: (كلا) يعني: لن يدركونا ولن ينالوا منا. قالها من رصيده الإيماني وثقته في ربه وحمايته له، فما كان الله ليرسل رسولاً ثم يُسلمه لعدوه. { { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الشعراء: 62] لذلك جاءه الفرج من ربه في التو: { { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } [الشعراء: 63].
تأمل هنا حراسة الله لأوليائه، وتأمل هذه المعجزة، وهذه الربوبية، فما أنْ قال موسى قولته بصدق الإيمان إلا وجاءه الردُّ، فسلب الله من الماء خاصية السيولة وتجمد الماء فسار على الجانبين، كل فِرق كالطود العظيم، وفي الوسط طريق جاف يابس عبر منه موسى وجنوده.
حتى إذا ما وصل الشاطئ الآخر أراد أنْ يضرب البحر مرة أخرى ليعود إلى سيولته ويغلق الطريق في وجه فرعون. فأرشده ربه وصحَّح له وجهة نظره فلله تدبير آخر، والموقف لم ينته بعد، فقال الله لموسى:
{ { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } [الدخان: 24].
بعد أن نجَّى الله موسى وقومه وذهب بهم إلى الصحراء جعل لنفس العصا دوراً آخر:
{ { وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً .. } [البقرة: 60] فالعصا واحدة يضرب بها الماء فيصير جبلاً، ويضرب بها الجبل فيتفجر بالماء، فالأثر مختلف لأن الفاعل هو الله القادر.
فقوله تعالى: { رَبُّنَا ٱللَّهُ } [فصلت: 30] تعطينا فكرة إجمالية عن عطاء الربوبية للمادة وللقيم، فربُّك الذي أمدك بمقومات المادة ما كان ليتركك بدون مقومات الروح والقيم، فكما أخذتَ نِعَمه في المطعم والمشرب والمسكن فخُذْ نعمه في التكليف، لأنه بالتكليف يربي فيك الروح والقيم.
وهذا ينبغي أن نتأمل مثلاً قوله تعالى:
{ { يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } [الأعراف: 26].
فالله تعالى أعطاك الضروري من اللباس وهو ما يستر عورتك، ثم زادك الرياش وهو ترف اللباس والزينة التي يتباهى بها الإنسان، لذلك نقول (فلان ده متريش).
لكن لا تنسَ أن لباس التقوى ذلك خير، يعني: أفضل من اللباس الأول، فلباس المادة يستر عورتك في الدنيا، أما لباس التقوى فيسترك في الدنيا وينجيك في الآخرة.
إذن: فهو عطاء ممتدّ باق خالد في الآخرة. فهو إذن خير لباس لمن وعى وفهم. فربُّك بربوبيته لنا أعطانا ما يقيم مادتنا وما يسعد دنيانا، وما كان سبحانه ليترك قلوبنا خالية من الأخلاق والقيم الروحية التي تُسعدنا في الآخرة.
واقرأ إنْ شئت قوله تعالى:
{ { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } [آل عمران: 14].
فما عند الله في الآخرة هو الباقي، والمادة تفنى وتزول، والدنيا كلها ما هي إلا مرحلة إعداد للآخرة الباقية، حيث يعطيك ربك العطاء الحق، العطاء الممتد. انظر إلى الولد الصغير نعلمه (ابتدائي وإعدادي وثانوي وجامعة)، لماذا كل هذا التعب؟ للثمرة المرجوة بعد ذلك ليكون عضواً بنَّاءً في حركة الحياة، كذلك نحن في الدنيا نعمل لهدف أًسْمى هو الآخرة، حيث النعيم الباقي الذي لا يُنغصه شيء.
وتأمل هذا الإقرار من المؤمنين حين قالوا { رَبُّنَا ٱللَّهُ } [فصلت: 30] إقرار يجمع بين عطاء الربوبية والاعتراف به وعطاء الألوهية، فالرب هو نفسه الإله المعطي هو نفسه سبحانه المكلف، ومَنْ قَبلَ من ربه عطاء الربوبية وأخذ نعمه إيجاداً من عدم وإمداداً من عُدْم لا يليق به أنْ يترك تكاليفه، خاصة وهي تكاليف تسعد الإنسان في الدنيا والآخرة، ما جاءت لتضيق عليه أو تشق عليه.
فعطاء الربوبية موجود أيضاً في عطاء الألوهية، ومعلوم أن التكاليف جاءتْ فافعل ولا تفعل، وعليك أن تفعل في الأمر، وأنْ تنتهي عند النهي، وما لم يردْ فيه نصّ فأنت فيه حُرٌّ وتفعل أو لا تفعل.
ثم يقول تعالى حكايةً عن المؤمنين بعد أنْ قالوا ربنا الله وأقروا لله تعالى بالربوبية والألوهية، واستقرتْ عندهم هذه العقيدة راسخة ثابتة يقول: { ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [فصلت: 30] يعني: بعد القول جاء العمل.
وتأمل هنا حرف العطف ثم، فهو يفيد في اللغة الترتيب والتراخي، ولم يقلْ سبحانه فاستقاموا لحكمة، وكأن الحق سبحانه أراد أنْ يعطيك فرصة لتتأمل فيها هذه العقيدة وتبحثها وتقتنع بها، أعطاك فرصة لتراجع هذه العقيدة في نفسك لتؤمن بها عن رضاً، وتعمل بها عن اقتناع، لتقبل عليها في حب قد يصل بك إلى درجة العشق لهذه الاستقامة.
ومعنى الاستقامة: أخْذ الشيء على قوامه، وهي تتطلب سَيْراً على خط مستقيم، الذي سمَّاه الله الصراط المستقيم، فالله يريد منك أيها المؤمن أنْ تجعل الوسيلة إلى الغاية من عمل التكليف مثل الصراط لا تميل عنه قيد شعرة، ولا تنحرف عن جادته.
فأنت حين تسير في شارع متسع يمكن في السير أن تذهب هنا مرة وهنا مرة، نعم يجوز لك ذلك، لكن لا تنْسَ أنه يطيل عليك المسافة ويزيد المشقة.
لذلك سمَّى الله طريقه الموصِّل إلى جنته
{ { ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة: 6] وفي موضع آخر قال { { سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [البقرة: 108] يعني: في وسطه دون انحراف.
فإذا كانت الغاية بعيدة احتاجت منك للوصول إليها إلى الإسراع في الحركة لتدرك ما تريد، فما بالك بمن كانت غايته الجنة؟ لا شكّ أنه يسرع إليها ولا يدخر في سبيل الوصول إليها وُسْعاً.
لذلك نقول: لا ينبغي للمؤمن أنْ يكره الموت لأنه سيُوصِّله إلى غايته، إنما يكرهه إنْ كان عمله غير صالح، نعم يكره أنْ يلقى الله وهو على غير الصلاح. فعند ظهور النتيجة مثلاً ترى الطالب المجتهد يُسرع إليها، لماذا؟ لأنه مطمئن إليها، أما الكسول فتراه بطيئاً غير مهتم.
لذلك ربنا تبارك وتعالى يُعلِّمنا:
{ { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 133].
وقال في وصف المؤمنين:
{ { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } [الأنبياء: 90] والمعنى: إياك أنْ تشغلك دنياك، أو تقيد حركتك إلى الآخرة، بل سارع اجِرْ في اتجاهها، لأنك لا تعرف كم تقطع من الطريق قبل أنْ يدركك الموت.
ومن عدالته سبحانه مع عبده أنْ أخذ لنفسه عمر العبد طولاً، لكن ترك له بُعدين آخرين هما العرض والعمق، كيف؟ قالوا: عمرك من حيث الزمن طولاً لا يعلمه إلا الله، ولا يملك نهايته إلا الله وحده، لكن ترك لك أنْ تمد في العرض كما شئتَ، فيمكنك أنْ تستثمر اللحظة التي تعيشها وتُوسِّع دائرة الخير فيها، وبذلك يكون العرضُ أكبر من الطول فليستْ العبرةُ بطول العمر، ولكن بقدر العمل الصالح فيه.
فمن الناس مَنْ يعمل في العمر القصير أعمالاً جليلة لا يعملها صاحب العمر الطويل، لذلك لما وصف الله لنا الجنة قال:
{ { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 133].
فذكر العرض، وإذا كان عرضها السماوات والأرض، فما بالك بطولها؟
ثم أعطاك بُعداً آخر هو العمق، والعمق في العمر يكون للإنسان بعد موته وانقطاع عمله في الدنيا، وذلك بأن يبقى أثره خيره من بعده ممتداً في عمق الزمان.
والحق سبحانه حين يأمرنا بالسير على الصراط المستقيم، وحين يأمرنا بالمسارعة في الخيرات إنما يريد لنا أيسرَ السُّبل التي تُوصِّلنا إلى أشرف الغايات بأقلِّ مجهود، ومعلوم عند علماء الهندسة أن الخطَّ المستقيم هو أقربُ طريق وأقصر مسافة بين نقطتين.
فالله لا يريد منا حركات طويلة بلا جدوى، وفي نفس الوقت يأمرنا أن نسارع ليظل لدينا النشاط اللازم للوصول. لذلك قال تعالى في أول سورة الكهف:
{ { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّماً .. } [الكهف: 1-2].
والاستقامة التي يريدها الله لنا لها أركان بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:
"بُنِي الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً، رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً" .
وإياك أن تظن أن الدين في هذه الأركان الخمسة فحسب، لا، هذه هي القواعد والأُسُس التي يقوم عليها بناء الدين، أما الدين تفصيلاً فيتغلغل في كل حركة من حركات الحياة.
وهذه المسألة واضحة في الحديث الشريف:
"الإيمان بضع وستون شعبة أو بضع وسبعون شعبة، أعلاها قَوْل لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" .
فالأركان ليست هي كلّ الإسلام بل هي أسسه وقواعده، فالشهادتان إقرار لله تعالى بالألوهية، وإذعانٌ له سبحانه بالطاعة، وتصديق برسوله صلى الله عليه وسلم، وفي الصلاة التي هي كل يوم خمس مرات إعلانٌ للولاء الدائم لله تعالى.
وفي الزكاة تهذيبٌ للنفس وتعويدٌ لها على العطاء والمشاركة والنظر إلى الفقير، فقير الإعاقة عن الحركة لا فقير الاحتراف، في الزكاة تكافلٌ فأنت اليوم قويٌّ قادر على العطاء، فمَنْ يدريك لعلَّك تصير إلى الضعف وعدم القدرة فتجد في المجتمع مَنْ يمد لك يد العون.
ثم إنَّ الزكاةَ تنزع من المجتمع فتيل الحقد والحسد والغيرة، وكيف يحسد الفقيرُ الغني أو يحقد عليه وهو يعطيه ثمرة عرقه ويشركه في ماله؟ إذن: في الزكاة تأمينٌ للفرد المؤمن أعظمَ تأمين.
لذلك قلنا في المجتمع الإيماني: إنك لا تعمل بقدر حاجتك، إنما تعمل بقدر طاقتك، فما احتجتَ إليه فخُذْه، وما لم تحتجْ إليه وزاد عنك فتصدَّق به على غير القادر، أنت تتصدَّق وأنت تذهب بنفسك إلى باب الفقير لتعطيه لتحفظ لأخيك ماءَ وجهه، وتُعفيه من مذلّة السؤال ولتنال أنت هذه الدرجة.
ثم يأتي الحج ليضيفَ إلى هذه المعاني معنىً إيمانياً آخر، فربُّكَ الذي خلقك وأعطاك وأمدَّك ومنحك القدرة والاستطاعة ألاَ يستحق منك أنْ تذهبَ إليه في بيته الذي اختاره لنفسه، ولو مرة واحدة في العمر؟
إنها زيارة ليست بإرادة الضيف وإنما بدعوة من المضيف، لذلك حين تذهب إلى بيت ربك في هذه الفريضة فسوف تُعرِّض نفسك لعطاء آخر ما له حدود، ثم في الحج منافع أخرى دينية ودنيوية لا تَخْفى على المتأمل.
أما الصوم فيعطيك بُعداً آخر للطاعة، فأنت قبل الفجر تأكل وتشرب، وبعد الفجر يحرمُ عليك أنْ تأكل وتشرب، فبين الحلال والحرام هنا لحظة. وأنت حين تصوم تصوم عن شيء أحلّه الله لك قبل الصيام، فأنت حين تصوم تصوم على شيء حلال أصلاً؛ لأن الإسلام حرَّم عليك أشياء تحريماً مطلقاً كالخمر مثلاً.
فنحن والحمد لله لا نشربها ولا نفكر أبداً في شربها، حتى صار ذلك طبعاً وعادة، فأراد سبحانه أنْ يُخرجنا من إِلْف هذه العادة، وأنْ يديم على عبده حلاوة التكليف من الله في شيء حلال الآن، وبعد لحظة واحدة يكون حراماً، فأخرجنا الحق سبحانه من إلف العادة إلى شرف العبادة.
أما الركن الدائم الذي لا يسقط عن المؤمن إلا في حالة فقدان العقل فهو الصلاة، فهي خمسُ صلوات في اليوم والليلة يُراد بها دوام الحضور في معية الله، فهي تختلف في دوامها عن باقي الفروض، فالزكاة مرتبطة بالمحصول أو بدورة المال السنوية، والصوم مرتبط بشهر واحد في السنة هو رمضان، والحج مرة واحدة في العمر.
وكَوْن الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة رحمةٌ من الله بعباده، فأنت صنعةُ الله ويستدعيك إلى حضرته تعالى خمس مرات ليُصلح ما فسد فيك، وما بالك بصنعة تُعرَضُ على صانعها خمس مرات كل يوم وليلة؟
وإذا كان المهندس مثلاً يصلح الآلة بقطعة سلك أو قطعة غيار، فكذلك ربك يصلحك، ولكم المهندس مادة يصلح بالمادة، والله غيب يُصلحك بالغيب، فلا تتعب نفسك في بحث هذه المسألة ودَعْها لله، فقط عليك أنْ تعرض نفسك عليه سبحانه في الخمس صلوات في أوقاتها، وأنْ تُتمَّ لها ركوعها وسجودها وشروطها.
ولا شكَّ أنك ستلحظ هذا الإصلاح في نفسك، وفي روحك، وفي مادتك، وفي مالك، وفي أهلك، ستحس أن للصلاة أثراً في حياتك وراحة في بدنك، لذلك كان سيدنا رسول الله يقول لبلال:
"أرحنا بها يا بلال" نعم أرحنا بها، ولا أرحنا منها.
ولأهمية الصلاة في حياة المسلم جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمَّ الاستقامة وعنواناً لها، واقرأ إن شئت قوله تعالى:
{ { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } [العنكبوت: 45].
وفي الحديث الشريف:
"أول ما يُحاسب العبدُ عليه يوم القيامة الصلاة، فإنْ صلُحَت صَلُح سائر عمله، وإنْ فسدتْ فسد سائر عمله" .
لذلك كان للصلاة هذه المنزلة الخاصة، فأنت ترى الفقير لا زكاةَ عليه ولا حج، وترى المريض لا يصوم، على خلاف الصلاة التي تلازم المسلم في صحته ومرضه، في غناه وفي فقره، في سفره وفي إقامته، فقط الجنون هو الذي يرفع عن صاحبه الصلاة.
إذن: فهي الركن الملازم لك، ومن هنا كان للصلاة خصوصية في فرضيتها، فكل العبادات فُرِضَتْ بالوحي إلا الصلاة فقد فُرضتْ على سيدنا رسول الله بالمباشرة في رحلة الإسراء والمعراج، وهذا يدل على أهميتها بين باقي العبادات.
وسبق أنْ أوضحنا أن الرئيس في العمل قد يرسل لك ورقة أو يُحدِّثك في التليفون في أمر من الأمور، لكن إنْ كان الأمر ذا أهمية وخصوصية استدعاك إلى مكتبه ليكلمك مباشرة، وهكذا كانت الصلاة فقد أخذتْ قيمتها من هذه المباشرة حين فرضيتها.
ثم إن الصلاةَ ركنٌ يجمع باقي الأركان ففيها الشهادتان، والشهادة التي هي قمة الإيمان والعقيدة يكفي أنْ يقولها المسلم ولو مرة واحدة، أما في الصلاة فيقولها عدة مرات، وفيها صيام أبلغ من صيام رمضان فأنت في رمضان تصوم عن الطعام والشراب والمفطرات، أما في الصلاة فأنت تصوم عن أكثر من ذلك، تصوم عن الحركة وتصوم عن الكلام.
وفيها حج لأنك لا تصلي إلا إذا اتجهتَ بوجهك ناحية بيت الله الحرام وتمثَّلته أمامك، كأنك تنظر إليه. وفي الصلاة زكاة لأنك تُضحِّي في سبيلها بما هو أغلى من المال وهو الوقت.
لذلك بيَّن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الفرق بين المؤمن والكافر الصلاة، فقال:
"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَنْ تركها فقد كفر" فإذا دعاك ربك إلى الصلاة فلم تُجبْ فأنت عَاصٍ، أرأيتَ رئيسك في العمل إذا دعاك إلى مكتبه فلم تُلَبِّ، ماذا يحدث؟
ومن عظمة هذه الفريضة أنها لقاءٌ مع الله، لك أنت أيها العبد الحرية التامة فيه وتملك كل عناصره، فأنت تُحدد اللقاء مكانه وزمانه، وماذا تقول فيه، ومتى تُنهي هذا اللقاء، فقط تسمع النداء فتذهب وتتوضأ، ترفع يديك إلى السماء: الله أكبر. أنت إذن في حضرة ربك، وفي رحاب خالقك، أنت معه على (خط مباشر)، ليس بينك وبينه حاجب ولا دونه حُرّاس ولا واسطة.

لذلك يقول بعض الصالحين:

حَسْبُ نَفْسِي عِزّاً بأنِّي عَبْدُ يَحْتَفي بِي بلاَ مَواعيدَ رَبُّ
هُوَ فِي قُدْسِهِ الأَعَزِّ ولكِنْ أنا أَلْقَى متَى وأيْنَ أُحِبُّ

فربُّك لا ينتظرك أنْ تأتيه، إنما يدعوك لزيارته، يُقبل عليك قبل أنْ تقبل عليه، ألم يقُل في الحديث القدسي الشريف: "مَنْ ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومَنْ ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير منهم، ومَنْ أتاني يمشي أتيتُه هرولةً، ومَنْ تقرَّب مني ذراعاً تقربت منه باعاً" .
إذن: فالزمام في يدك أنت، ونِعْم الربُّ رَبٌّ يعامل عباده هذه المعاملة، ويُحسن إليهم كلَّ هذا الإحسان.
ومن كرمه سبحانه أنْ يُثيبَ العبد على كل حركة خير في دنياه، لأن هذه الحركة مطلوبةٌ للإيمان، لذلك يقول تعالى في سورة (الجمعة):
{ { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ } [الجمعة: 9].
وبعد الصلاة قال:
{ { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } [الجمعة: 10] فأخذك من عمل وأعادك إلى عمل، لأن العمل في ذاته طاعة، والمؤمن لا بدَّ أنْ يسهم في حركة الحياة مساهمةً إيجابية بنَّاءة.
الإسلام إذن لا يقتصر على هذه الأركان الخمس، بل يمتد إلى كل حركة من حركات الحياة، فأنت تؤسس بيتاً مثلاً وتقيمه على أعمدة، لكن بعد ذلك تُقسمه إلى: حجرة نوم، وحجرة للسفرة، وحجرة للصالون، وحجرة للمطبخ وهكذا.
والإسلام يهدف إلى سلامة حركة الحياة وخُلوها من الصراع، ومن التصادم، يريد أن تتساند حركة الجماعة لا تتعاند، لا يريد واحداً يبني والآخر يهدم، بل كلنا يبني ولا أحدَ يهدم، فالحق سبحانه أعطانا هذا الكون الذي نعيش فيه وهو على حالة الصلاح وعلى هيئة الجمال والتناسق، وأوصانا أنْ نحافظ عليه، وأن نزيد في صلاحه، وعلى الأقل نتركه على صلاحه ولا نفسده.
وعلَّمنا حين نصلح أنْ نصلح بحركة محسوبة العواقب، وألاَّ ندخل في شيء لا نعرف الخروج منه، وألاَّ تغرَّنا ظواهر الأشياء، هذه صفات العقلاء الذين يتصرفون في الأمور بحكمة، ويزنون الخير والشر فيقبلون على أسباب الخير وينصرفون عن أسباب الشر.
ونضرب مثلاً في عصرنا الحالي بدودة القطن التي كانت تعبث بغالب ثروة مصر من هذا المحصول الهام، إلى أن اخترع العلماءُ مبيداً حشرياً لها سموه الـ (d.d.t) فتسابق الناسُ إلى استخدامه، وظنوا أنه سيقضي على الدودة بلا رجعة، وأن المشكلة قد انتهت، وبعد عدة سنوات أخذت الدودة حصانةً من هذا السُّم، وأصبحت كما نقول (كييفة) (d.d.t) وبقيتْ الدودة كما هي، وبقيتْ معها آثار جانبية أصابت الماء والزرع والتربة ولوَّثتْ كل شيء في حياتنا، وها نحن الآن نعاني أشدَّ المعاناة بسبب المبيدات الحشرية.
لذلك الحق سبحانه وتعالى يحذرنا من رعونة الابتكار، ومن الاغترار بالخير الظاهري دون حساب للعواقب، فإياك أنْ تدخل في أمر يُعييك الخروج منه، تأمل قول الله تعالى وهو يمتنُّ على عباده ببعض نعمه عليهم:
{ { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [النحل: 8].
نعم، كنا لا نعرف من وسائل النقل والركوب إلا الخيل والبغال والحمير، ثم اخترع الإنسانُ بعد ذلك ما لم يكُنْ يعلمه من السيارات والطائرات والصواريخ، وهذه الوسائل المستخدمة لا شكَّ أنها خدمتْ الإنسان ويسَّرَتْ عليه، لكن مع ذلك كان لها أضرار ومعاطب لم تكُنْ في حُسْبان مَن اخترعها.
عندما ظهرت السيارات كنا نذهب بها إلى دمياط، ولم تكُنْ الطرق مرصوفة كما هي الآن، فكان السائق ينطلق بها بسرعة على الطريق الترابي فتثير الغبار خلفها بشدة، غبار يؤذي الناس ويؤذي المزروعات، فضلاً عن عادم الوقود وما يُسبِّبه من أضرار للجهاز التنفسي.
ثم كانت تُحدِث كثيراً من التصادمات، وينتج عنها قتلى ومصابون تترك في المجتمع مآسيَ، وإذا انتهى (البنزين) منها تقف مكانها لا تتحرك؟
فإذا ما قارنتَ هذه الوسيلة بالوسائل الطبيعية التي خلقها الله وجدنا خَلْق الله أفضل وأسْلم، فالجمل أو الحمار يوصلك وينقل لك متاعك دون أنْ يُسبب لك هذه المعاطب، ففضلاته سماد للتربة، وإذا جاع لا يتوقف إنما يكمل بك المشوار، ثم هل رأيتم مثلاً جملين اصطدم أحدهما بالآخر.
إذن: علينا قبل أنْ نخترع شيئاً أن نحسب عواقبه، وغلبة الخير فيه على الشر، والنفع على الضرر.
ثم يُبيِّن الحق سبحانه جزاء هؤلاء المؤمنين الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، ما جزاؤهم؟ { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } [فصلت: 30] نعم ملائكة الله في السماء هذه المخلوقات النورانية التي لا عملَ لها إلا تسبيح الله، فلا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤُمرون، فحين تنزل بالمؤمن شدةٌ أو يصيبه مكروه تتنزَّل عليه هذه الملائكة تُثبِّته فيعود إلى ما يجب أنْ يعودَ إليه من الصبر. فيقول: لا كربَ وأنت رب، أنا لي رَبٌّ قويٌّ قادر سيُفرِّج هَمِّي ويُزيل كَرْبي.
وهذا حال المؤمن حين يحزبه أمر وتضيق به أسبابه يلجأ إلى المسبِّب سبحانه، فيأتيه الإلهام من الله أنِ اصبر واحتسب، وربما كانت المصيبة امتحاناً من الله، أو كانت تكفيراً لذنب بدر مني فعاقبني الله به في الدنيا وعافاني منه في الآخرة، وهذه علامة حب الله للعبد أنْ يُعجِّل له العقوبة في الدنيا، ويغفرها له في الآخرة.
لذلك كان الكفار يفرحون حين تصيب المؤمنين مصيبة، فعلَّم اللهُ نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول:
{ { قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا } [التوبة: 51] فأنتم تفرحون إنْ نزلتْ بنا مصيبة، ونحن كذلك نفرح بها لأنها من الله، والمصيبة للمؤمن إما يكفِّر اللهُ بها من خطاياه، وإما يرفعه بقدرها درجاتٍ.
وعجيبٌ أن نرى البعض إذا أصابتْه مصيبة أو نزل به ما يكره لا يعالج أسبابها، ولا يفكر في تفاديها بعد ذلك، إنما يلجأ إلى نسيانها ويذهب إلى شُرْب المسكر الذي يساعده على النسيان.
وهذا خطأ فادح، فالنسيان لا يحلُّ مشكلة، إنما يحلُّها التفكير في أسبابها ومعالجة هذه الأسباب، فالمخدِّرات والمسكّرات تذهب بعقلك وتُفسده في وقت أنت في أشدِّ الحاجة إليه، حين يمرُّ الإنسانُ منا بمشكلة يحتاج إلى مزيد فكر، فكيف تذهب بعقلك في وقت أنت في أمسِّ الحاجة إليه؟ ألاّ ترى أنك تستعينُ بغيرك وتستشيره في حَلِّ مشاكلك حينما تضيقُ بك الأسبابُ؟
إذن: انظر إلى المصيبة، ما سببها إنْ كان لك دَخْلٌ فيه، وهي نتيجة تصرُّف خاطئ منك فأنت الملُوم، وعليك أنْ تُعدِّل من تصرفاتك وتعمل حساباً للعواقب، وهذه أول خطوة في طريق الإصلاح، كالطالب يذهب لمعرفة النتيجة آخر العام فيقولون له: أنت راسب فتعيده الصدمةُ إلى صوابه، ويصيح بأعلى صوته هذه الصيحة العقلية الواعية: أنا السبب، أنا المهمل، أنا أستحق.
أما إنْ كانت المصيبة لا دخْلَ لك فيها كالطالب الذي ذاكر دروسه واجتهد، لكن جاءه وقت الامتحان دَوار أو أصابه نسيان فلم يُوفَّق، فهذا قدر الله لا بدَّ أنَّ له حكمة، فهو شَرٌّ في طياته خير، هو ابتلاء من الله ينبغي أنْ نرضى به، وأنْ نتلمس له حكمة.
فنحن دائماً نحوم حولها، وصلنا أو لم نصِلْ، قُلْ ربما كنت مغروراً فأراد الله أنْ يكسرَ فِيَّ عُنْفوانَ الغرور، ربما لو وفقت كنتُ سأحسد، أو ربما لم آتِ بالمجموع المطلوب الذي كنتُ أرجوه، وهذه كلها نماذج يُؤيِّدها واقع الحياة.
والفعل لا يُؤخذ لذاته إنما بمصاحبة الفاعل، مَنْ هو؟ قلنا: لو دخل عليك ولدُك يسيل دمه لا يشغلك الدمُ بقدر ما يشغلك من الفاعل؟ لذلك تسأله أولاً: مَنْ فعل بك هذا؟ فإنْ قال لك عَمِّي مثلاً، تهدأ ثورتُك، وتقول له: لا بدَّ أنك فعلتَ شيئاً يستحق العقاب فعاقبك. أما إنْ قال لك: فلان، تغضب وتقيم الدنيا ولا تقعدها.
إذن: نقول خُذِ الفعلَ بمصاحبة فاعله، فإنْ كان من الله فارْضَ وابحث عن حكمته، ولا بدَّ أنك ستتوصل إليها وستحمد الله. كُنْ أمام الشدائد كالضرس ثابتاً في مكانه يمضغ لا يعنيه حُلواً ولا مُرًا، فإنْ كان البلاء في نفسه يتأدب، وإنْ كان في غيره يتعلم، فلا بدَّ أن لله حكمة.
سمعتم قصة الرجل الصيني الذي كان يتأمل الأحداث ويرى الحكمة فيها، قالوا: كان هذا الرجل مُحباً لتربية الخيول فكانت عنده مزرعة خيول، وفي يوم شرد منها حصان من أجود الأنواع، كانوا يسمونه (الطلوقة) وضلَ في المزارع، فجاءه الناس يُواسونه. فقال لهم: وما أدراكم لعل في هذا الخير، ويكفي أنني لستُ سبباً في فَقْد هذا الحصان؟
وبعد أيام جاء الحصان يصطحب سِرْباً من الخيول حتى دخل المزرعة، فجاءه بعض الجيران يُهنئونه، فقال لهم: وما أدراكم أن في هذا نعمة؟ ولم يَمْضِ وقت طويل حتى ذهب ابنه يركب هذا الحصان، وكان مُغرماً به فأوقعه الحصان فكسر رِجْله، فجاءه الناسُ يُواسونه فقال لهم: لعل في ذلك خيراً، وفعلاً جاء المسئول عن التجنيد فوجد الشاب قد كُسرتْ رجله فتركه.
إذن: علينا أنْ نفهم أن لله في أقداره حِكَماً، عرفها مَنْ عرفها، وجهلها مَنْ جهلها. لذلك نقول: إياك أنْ تأخذ شيئاً بالإكراه لأنك لا تدري أن الخير لك، وتذكَّر دائماً:
{ { وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ } [البقرة: 216] { { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ } [البقرة: 216] لذلك يُعلِّمنا النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدرس فيقول: "اطلبوا الأمور بعزة الأنفس، فإنها تجري بمقادير" .
ويقول أحد العارفين في مناجاته لله: أحمدك على كُلِّ قضائك وجميل قدرك حمدَ الرضا بحكمك، لليقين بحكمتك.
وهكذا يريح الإنسان نفسه ويريح الدنيا من حوله، وهذه كلها من تنزُّلات الملائكة في قوله سبحانه { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } [فصلت: 30].
كذلك من تنزُّلات الملائكة أنها تنزل على المؤمن ساعةَ يحلُّ الموتُ بساحته فيخاف ويحزن، لأنه سيترك نعيم الدنيا، فتتنزل عليه الملائكة تُطمئنه وتُبشِّره بنعيم آخر دائم وباقٍ في الآخرة، لا يزول كما يزول نعيم الدنيا.
{ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ } [فصلت: 30] يعني: مما أنتم مُقبلون عليه من أمور الآخرة، حتى إذا قصُرَت بكم أعمالكم فأنتم مُقبلون على ربٍّ غفور رحيم، فلا تخافوا ولا تحزنوا { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [فصلت: 30].
قلنا: البشارةُ الإخبارُ بخير وبما يسرُّ قبل أوانه، ومَنِ الذي يُبشرِّك بالجنة؟ والله لو إنسانٌ مثلك لكنتَ تشُكّ في قدرته على الوفاء، لكن إنْ كان الذي يُبشِّرك هو الله فثِقْ بما بُشِّرت به، فالذي بشَّرك بالجنة هو وحده القادر على الوفاء، حيث لا قوةَ تحولُ بينه وبين الوفاء بالبُشْرى.