التفاسير

< >
عرض

وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ
٣٢
-الشورى

خواطر محمد متولي الشعراوي

الجوار في البحر صفة لشيء معروف هي السفن، فهي التي تجري على صفحة الماء، والآن نرى سفناً عملاقة وبواخرَ ذات أوزان عالية يحملها الماء بإذن الله، كما نجد سيارات النقل والحاويات ذات الأوزان العالية تُحمل على الهواء في العجلات، وهذه من آيات الله أنْ يحمل الخفيف الثقيل.
ومعنى { كَٱلأَعْلاَمِ } [الشورى: 32] الأعلام: مفردها عَلَم، وهو الجبل، سُمِّي علماً لعُلوِّه وظهوره، لذلك قالت الخنساء في رثاء أخيها صخر:

كَأنهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارٌ

فقوْل الخنساء عن أخيها: كَأنه عَلَم في رأْسِهِ نَارٌ. كناية عن أنه مشهور معروف للجميع، ولما سمع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا البيت قال: "قاتلها اللهُ، ما اقتنعت تجعله كالجبل فجعلتْ فوقه ناراً" .
وفي هذه الآية مظهر من مظاهر الإعجاز وآية للنبي صلى الله عليه وسلم، فلو سألنا رجال الاقتصاد والصناعة: متى وُجدت السفن العملاقة المكوَّنة من عدة أدوار والتي تشبه جبلاً يتحرك على صفحة الماء؟ قالوا: في القرن الثامن عشر، إذن: محمد لم يَرَ مثل هذه السفن، فمَنْ أخبره بهذا التطور؟ ومَنْ قال له أنها ستكون كالأعلام؟ إنه الله الذي يعطينا الآيات الدالة على صدق نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثم إن الجَواريَ التي تجري في البحر تحتاج إلى طاقة تُجريها، فمن أين هذه الطاقة؟ لما بدأتْ السفن كانت تجري بقوة الهواء أو بقوة دَفْع الماء لها، فإنْ كانت تسير في نفس اتجاه التيار أجراها التيار معه، وإنْ كانت تسير ضد اتجاه التيار استخدموا الهواء في دَفْعها باستخدام القِلْع، فإنْ سكن الريح يظللن رواكد على ظهره.
إذن: هي تجري بأمر الله وتسكن بأمر الله، وإن كانت تسير في نهر وتسبح ضد تيار الماء جاءوا بالعمال وبالحبال ليشدُّوا السفينة وهم على الشاطئ ويسيرون بها:
{ إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ... }.