التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
٨
-الشورى

خواطر محمد متولي الشعراوي

يعني: لا تتعجب من أمر الله، فله المشيئة المطلقة في خَلْقه، ولو كانت مشيئته مشيئة قَهْر ما استطاع أحدٌ الخروجَ عليها، ولكانَ الناسُ جميعاً مؤمنين، لكن فَرْقٌ بين الإيمان عن قهر وإجبار، والإيمان عن حب واختيار.
الحق سبحانه لا يريد منا القوالب الجامدة، إنما يريد القلوب المحبَّة، يريدها طواعية مختارة، وسبق أنْ مثَّلنا لذلك ولله المثل الأعلى برجل عنده عبدان أحدهما حُر طليق، والآخر مربوط إلى سيده بحبل، فحين ينادي السيد يأتيانه ويجيبان نداءه، فأيهما أطوَعُ وأيهما مُحِبٌّ؟
الحق سبحانه وتعالى حين عرض الأمانة على الخَلْق كله وخيَّرهم أثبت الجانبين القهر والقدرة وأثبت المحبة، أثبت القدرة والقهر في أنْ جعل خَلْقاً من خَلْقه هو السماوات والأرض وكل الكائنات عدا الإنس والجن تأتي طائعةً مؤمنةً، وتتنازل عن اختيارها لاختيار ربها وخالقها. ثم أثبت الحب في اختيار الإنس والجن، لأنهم آمنوا حباً وكانوا يقدرون على الكفر.
{ وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } [الشورى: 8] وهم المؤمنون يُدخَلون الجنة بفضل الله وبرحمته لا بأعمالهم، فالأعمال سبب في دخول الجنة. وفي المقابل { وَٱلظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [الشورى: 8] يعني: سيدخلون النار، لأن الفريق الذي دخل الجنة دخلها بفضل الله ورحمته، وهؤلاء ظالمون، والظلم جزاؤه النار.
{ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ } [الشورى: 8] يعني: قريب يُواليهم ويدفع عنهم { وَلاَ نَصِيرٍ } [الشورى: 8] ينصرهم ولو من بعيد، يراهم مغلوبين، فيحنّ عليهم وينصرهم.
ثم بيَّن الحق سبحانه علَّةَ ذلك، وأنهم أعرضوا عن عبادة الله الواحد الأحد، واتخذوا من دونه أولياء فاستحقوا هذا الخذلان:
{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ... }.