التفاسير

< >
عرض

بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ
٢٢
-الزخرف

خواطر محمد متولي الشعراوي

إذن: القضية قضية تقليد أعمى دون تفكير أو تأويل، فقالوا { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } [الزخرف: 22] يعني: على دين أو على ملَّة أو طريقة مقصودة من الفعل (أمَّ) يعني: قصد { وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم } [الزخرف: 22] على طريقتهم { مُّهْتَدُونَ } [الزخرف: 22] يعني: هذه الطريقة هي التي تدلنا وتهدينا.
والقرآن الكريم تناول هذه القضية بتفصيل في مواضع أخرى، ففي آية قال سبحانه:
{ { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [البقرة: 170].
وفي آية أخرى قال سبحانه:
{ { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [المائدة: 104].
وتأمل دقة الأداء القرآني في هاتين الآيتين، وكيف خُتمت كل آية بما يناسبها، أولاً تجد أن المعنى العام للآيتين واحد، لكنهم في الأولى قالوا:
{ { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ } [البقرة: 170] وفي الأخرى قالوا: { { حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ } [المائدة: 104].
فاستخدموا أسلوب القصر والحصر، وقصروا عبادتهم على ما وجدوا عليه الآباء، فالإعراض في هذه أقوى من الأولى، لذلك جاء ذيل الآية بما يناسب إعراضهم.
ففي الأولى قال تعالى رداً عليهم بهذا الاستفهام التعجبي
{ { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [البقرة: 170] وقال في الأخرى: { { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [المائدة: 104] فما الفرق بين { { لاَ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 170] و { { لاَ يَعْلَمُونَ } [المائدة: 104]؟ يعقلون يعني: هو الذي يستنبط المسائل بنفسه وبعقله، أمَّا يعلمون. أي: لا يقدر على الاستنباط إنما يعلم من استنباط غيره.