التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ
٦٩
-الزخرف

خواطر محمد متولي الشعراوي

هذه الآية تبين أن هناك فرقاً بين الإيمان والإسلام، الإيمان عمل القلب، والإسلام عمل الجوارح التي تنفذ المنهج الذي أمرك به الله، لذلك رأينا المنافقين هم أسبقُ الناس إلى الصلاة، مع أن قلوبهم ليست كذلك.
واقرأ قوله تعالى:
{ { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } [الحجرات: 14] لذلك كانوا يقفون في الصف الأول لينفوا عن أنفسهم تهمة النفاق، ومن العجيب أن يظهر النفاق في المدينة وهي بلد الأنصار ومنطلق الإسلام، ولم يظهر في مكة معقل الكفر والأصنام، وأشد البلاد عداءً للإسلام.
ولما تأملنا هذه الظاهرة قلنا: إن النفاق لا يظهر إلا أمام قوة ترهب فيظهر مَنْ ينافقها، وقد أصبح رسول الله في المدينة قوة ترهب، وله شوكة وأنصار وجيش، أما في مكة فكان في موقف ضعف واضطهاد، فعلامَ يُنَافِق؟
قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا } [الزخرف: 69] أي: اقتنعتْ قلوبهم بها، والاقتناع له مراتب: علم اليقين حين يخبرك مَنْ تثق في صدقه، وعين اليقين حين تشاهد الشيء بعينك، وحق اليقين حين تباشره وتُجرِّبه بحواسِّك أنت.
أذكر أنني سافرت مرة إلى أندونيسيا، ورأيت هناك أصابع الموز الأصبع الواحد نصف متر، فتعجبتُ وأخذت منها معي حين عودتي إلى مصر ليراها أولادي، فلما عدت قلتُ لهم تصوَّروا لقد رأيت في إندونيسيا كذا وكذا، طبعاً تعجبوا وهم يعرفون أنِّي لا أكذب عليهم، هذا يُسمَّى علم اليقين.
ثم قلتُ لهم: افتحوا هذه الحقيبة، ففتحوها ووجدوا بها أصابع الموز كما أخبرتهم، هذا يسمى عين اليقين، فلما أخرجوها وتذوَّقوا طعمها وباشروا ملمسها ولونها أصبح الأمرُ حق اليقين، وهكذا.
فالذي يؤمن علمَ اليقين هل يُنفذ ما آمن به، الذي يعمل وينفذ مسلم، والذي لا ينفذ منافق، لأنه آمن باللسان ولم يعمل بما آمن به.
والأعراب لما سمعوا هذه الآية اطمأنوا إلى أنهم سيؤمنون في المستقبل، لأنهم يعرفون معنى (لما)، فهي تفيد نفي الماضي والحاضر دون المستقبل.
فقوله تعالى:
{ { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات: 14] إذن: سيدخل فيما بعد.