التفاسير

< >
عرض

وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
١٩
وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ
٢٠
-الدخان

خواطر محمد متولي الشعراوي

قوله: { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ } [الدخان: 19] أرجع الأمر إلى مصدره الأول، فلم يقُلْ أنْ لا تعلوا عليَّ إنما على الله، يعني: افهموا أن المعركة ليست بيني وبينكم، بل بينكم وبين الله الذي أرسلني، فحين تعلون وتعاندون لا تعلون عليَّ، إنما على الله الذي كلَّفني وأرسلني إليكم.
{ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [الدخان: 18] بحجة واضحة وآية بينة وهي العصا، والعصا آية من جنس السحر الذي نبغ فيه قومُ فرعون، ولكنها ليستْ من نوعه؛ لأن السحر في حقيقته تخييلٌ للأعين كما قال سبحانه:
{ { سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ } [الأعراف: 116].
لذلك لما رأى السَّحرةُ عصا موسى تلقَفُ ما صنعوا خرُّوا ساجدين لا لموسى، بل لربه دون أنْ ينتظروا إذناً من فرعون؛ لماذا؟
لأنهم رأوا شيئاً غير السِّحْر ليس تخييلاً للأعين، إنما حقيقة واقعة، وهم أدرى الناس بماهية السحر.
وقوله { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ } [الدخان: 19] يعني: لا أتكلم من عند نفسي إنما بأمر السماء، وفيه إشارةٌ أيضاً إلى إبطال ألوهيتهم المدّعاة، يعني: أنتم بينكم وبين أنفسكم تعلمون أنكم لستم آلهة، وأن هذا ادعاء كاذب، لذلك خوَّفهم بالإله الحق.
{ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } [الدخان: 20] يعني: لجأتُ إليه وتحصَّنتُ به من أذاكم، وتأمل ساعة قالها موسى وكيف أنه استعاذ بمعاذ، ولجأ إلى ركن شديد لا يُضام مَنْ التجأ إليه.
ماذا حدث بعد أن استعاذ بالله؟ سخَّر الله له رجلاً من قوم فرعون يُصدق موسى ويدافع عنه.
وهذه الاستعاذة أيضاً ستنفعه في المستقبل في قضية انفلاق البحر، لما أدركه فرعون وجنوده عند شاطئ البحر، حتى قال أصحاب موسى
{ { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [الشعراء: 61] حيث لا أمل في النجاة.
أما موسى فلديه رصيدٌ من الثقة بربه، فقال:
{ { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الشعراء: 62] قالها وهو واثق بها لأنه جرَّبها قبل ذلك وأفلح بها.
إذن: لمَّا حزبه الأمر وضاقتْ به أسبابه لجأ إلى الله لجوءَ الواثق المطمئن فأوحى الله إليه
{ { أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } [الشعراء: 63] لم يُكذِّب موسى الأمر ولم يتردد فيه مع أنها كانت شيئاً عجيباً يفوق تخيُّل العقل، لكنّ صِدْقَ الله معه في الأولى، شجَّعه أنْ يطيع الأمر وألاَّ يتردد فيه. { { ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } [الشعراء: 63] فكانت المعجزة أن انفلق البحرُ، فكان كل فِرْق كالطوْد العظيم، ونجَّى الله موسى ومَنْ معه، وأهلك فرعون وجنوده، وهذا من طلاقة القدرة أنْ يهلك، وأنْ ينجي بالشيء الواحد، لأن الأشياء لا تنفعل لذاتها، إنما لإرادة الله.
وقوله { أَن تَرْجُمُونِ } [الدخان: 20] دلَّ على أن الرجم كان موجوداً في الأمم السابقة التي كانت تكذِّب رسولها.