التفاسير

< >
عرض

رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ
٧
-الدخان

خواطر محمد متولي الشعراوي

بعد أنْ قال سبحانه { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } [الدخان: 6] أكدَّها بقوله { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } [الدخان: 7] ثم ردَّ الأمر إلى يقينهم { إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } [الدخان: 7] كأنه واثقٌ أنهم عندما يُسألون لن يقولوا إلا هذا، فما دُمتم موقنين بأن الله هو خالق السماوات والأرض وما بينهما، فلماذا كذَّبتم رسوله؟!
إن الآيات الكونية واضحة الدلالة على خالقها عز وجل، هذه السماء التي تُظلكم، وهذه الأرض التي تُقلكم وما بينهما من خيرات وأسرار، بل وما تحت الثرى من ثروات كلها تدل على الله. وإذا كان هذا الذي نراه في الأرض والسماء عالم الملك، فما بالك بعالم الملكوت؟
عالم الملك تستطيع أن تقف عليه بحواسِّك، أما عالم الملكوت فغيْبٌ لا نعرف منه إلا ما أخبرنا الله به، كما قال تعالى في شأن سيدنا إبراهيم:
{ { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ .. } [الأنعام: 75].
وقوله { إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } [الدخان: 7] اليقين استقبال القضية بدون شك علماً أو عَيْناً أو حقيقة، كما سبق أنْ أوضحنا علم اليقين، ثم عين اليقين، ثم حقيقة اليقين، فاليقين هو الاعتقاد الثابت الذي لا يتغيَّر بالحكم عليه في الوجود علماً وعَيناً وحقيقة.
وهذه المراحل الثلاث ذُكِرَتْ في قوله تعالى:
{ { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } [التكاثر: 5-8].
وقال في سورة الواقعة:
{ { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [الواقعة: 92-96].
لكن أكان هؤلاء القوم فعلاً موقنين بأن الله رَبُّ السماوات والأرض وما بينهما؟ القرآن يقول لهم: { إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } [الدخان: 7] وإنْ هنا أفادت الشكَّ في يقينهم، لأنهم لو كانوا موقنين لآمنوا برسول الله وصدَّقوه، فهم يعترفون بأن الله خالقهم وخالق الكون كله، ومع ذلك صادموا دين الله، لماذا؟
لأن الدين يُقيِّد حركتهم ويحرمهم من الشهوات ومن الاستفادة بالفساد الموجود في مجتمعهم الدين الحق يحرمهم من السيادة، ويُسوِّي بينهم بين السادة والعبيد، إذن: كرهوا الدين الحق للمنهج الذي جاء به، ومالوا لدين باطل لأنه خَالٍ من المنهج، ليس فيه أوامر ولا نَواهٍ.