التفاسير

< >
عرض

لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ
٨
-الدخان

خواطر محمد متولي الشعراوي

الحق سبحانه وتعالى يريد منا أنْ تنسحب مقولتنا على أفعالنا، كلمة { لاَ إِلَـٰهَ } [الدخان: 8] الإله هو المعبود الحق، لأنهم لما عبدوا الأصنام سمَّوْها آلهة، نعم آلهة بزعمهم وفي تصورهم هم، لكنها آلهة باطلة وتسمية باطلة، لأن الإله هو المعبود بحقٍّ والذي له منهج ويقوم على ذلك الدليل.
أما دعواهم فدعوى ليس لها دليل، اللهم إلا أنها عبادةٌ تُرضي ما في نفوسهم من ميْل للتدين حتى لو كان المعبودُ صنماً لا تكاليفَ له ولا منهجَ عنده.
فالتدين كما قلنا فطرة في الإنسان، والواقع والتجربة تُثبت ذلك، فلما تضيق الأسباب بالإنسان حتى الكافر يقول: يا رب ويلجأ إلى المعبود الحق ولا يخدع نفسه، لأن الشدة التي نزلت به يعرف أنها لا كاشفَ لها إلا الله.
لذلك لم يقُلْ أحدٌ يا لات ولا يا عزى، لكن للأسف حين يكشف الله عنهم ويُفرج كربهم يعودون إلى ما كانوا عليه، وكثيراً ما تحدَّث القرآن حول هذا المعنى، قال تعالى:
{ { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [يونس: 12].
ويغيب عن أذهان الناس أن الدين عندما يُقيد حركتك فيما لا يجوز وأنت فرد يُقيد حركة الناس جميعاً من أجلك. فقال لك: لا تسرق من الناس. وقال للناس جميعاً أن لا يسرقوا منك. إذن: أنت المستفيد الأول من تطبيق منهج الله.
وبعد أن قال: { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ .. } [الدخان: 8] أتى بالدليل عليها { يُحْيِـي وَيُمِيتُ .. } [الدخان: 8] لأن مسألة الإحياء والإماتة لله وحده لا منازع له فيها، والذين يتمتعون بالحياة لا يعكر عليهم صفو هذه المتعة إلا أنهم يروْنَ الموت حولهم يحوم ويوشك أنْ يصيبهم.
إذن: الحق سبحانه وتعالى أتى هنا في الشيء الذي يحبه، فالذي يملك حياتك ويملك موتك هو الله، فلا يليق بك أنْ تغفلَ عنه، أو أنْ تنصرفَ عن منهجه وسبيله إلى سبيل غيره.
وقوله { يُحْيِـي وَيُمِيتُ .. } [الدخان: 8] واقع بالفعل على الغير وإنْ كان من صفاته أنه حَيٌّ قيوم، كما في آية الكرسي:
{ { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ .. } [البقرة: 255] والبعض يقول: الحي اسم الله الأعظم لأنه أصْلٌ، وكل صفة أخرى أو اسم آخر فرع منه.
قالوا: الحي هو الاسم الأعظم في العطاء، والله الاسم الأعظم في العبودية، لأن معنى كلمة الله المعبود المطاع في كُلِّ أوامره.
وما دام مطاعاً في كل أوامره. إذن: أنت عندما تسأل الله تقول: بسم الله، يعني: بسم الله أقبل على هذا العمل، لأن العمل يحتاج إلى طاقة، ويحتاج إلى عقل يفكر قبل أنْ تشرعَ في العمل، ويحتاج إلى حكمة.
وهذه الأشياء ممَّن تستمدها؟ من الله، لأنه وحده الذي يجمع كلَّ صفات الكمال ويفيض عليك من صفاته فوجبَ الاستعانة به والتوكل عليه، فالذي قال: إن الاسم الأعظم (الحي) نظر إلى العطاء، والذي قال (الله) نظر إلى التكليف.
وقوله سبحانه: { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } [الدخان: 8] أراد سبحانه أنْ يجادل الكفار المعاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم قالوا:
{ { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [الزخرف: 23] فأراد أنْ يُبيِّن كذبهم في هذه المقولة، فلو أنهم مقتدون فعلاً بالآباء لسَاروا على منهج آدم عليه السلام، لكنهم شذُّوا عنه وانحرفوا عن هديه حتى تغيَّر منطق الدين، وتعددتْ رسُل الله لهدايتهم.