التفاسير

< >
عرض

وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ
٣١
-الجاثية

خواطر محمد متولي الشعراوي

هؤلاء في مقابل الذين آمنوا، وهؤلاء يأخذون كتابهم بشمالهم، قال تعالى: { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } [الحاقة: 25-27].
إذن: جزاء هؤلاء النار، لكن قبل أنْ يدخلوها لا بدّ أنْ يُعاتبهم أو يُؤنِّبهم هذا التأنيب، ويُبيِّن لهم أنه لا عذرَ لهم في عدم الإيمان، فقد جاءتْهم الآيات البينات وجاءتهم الرسل فما قصّرنا في حقِّهم، وما تركناهم هَملاً، ولم نأخذهم على غِرَّة، وطالما دعوناهم وتحنَّنا إليهم.
ونلاحظ أن هؤلاء جمعوا بين الاستكبار عن الحق وبين الإجرام، فالاستكبار يعني ردّ الحق وعدم قبوله من صاحبه الذي جاء به وهو الرسول، ولَيْتَهم وقفوا عند هذا الحد وتركوا الناس في حالهم إنما تجاوزوا ذلك إلى الإجرام، وهو أن تهزأ بمَنْ آمن وتسخر منه.
وهذه المسألة شُرحَتْ في قوله تعالى:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } [المطففين: 29-30] أي: سُخريةً واستهزاء.
ثم
{ وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } [المطففين: 31] وهذا يدل على أنه وأهله في الإجرام سواء، وأن الفساد يعمُّ الجميع.
ونحن نرى هذا الصنف من البشر في كلِّ زمان نراهم يسخرون ممَّنْ يصلي أو ممَّنْ يتشبَّه بسيدنا رسول الله، ونسمع منهم كلمات السخرية مع أنهم يقرأون معنا هذه الآية.
لكن الحق سبحانه يُطمئن أهل الإيمان ويقول لهم: لا تهتموا بهذا الذي ينالكم منهم في الدنيا، وانتظروا ما يحدث في الآخرة:
{ فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [المطففين: 34-36] نقول: نعم يا رب لقد جازيتهم بما يستحقون.