التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٤
-الأحقاف

خواطر محمد متولي الشعراوي

قوله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ .. } [الأحقاف: 14] إشارة للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، فالحق يُحدِّثنا عن جزائهم وعاقبة إيمانهم واستقامتهم، فهم { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ .. } [الأحقاف: 14] أصحابها إما مالكوها، وإما أنها مصاحبة لهم وهم مصاحبون لها، يعني: بينهما علاقة وُدٍّ وتفاهم وميْل، كلٌّ منهم يميل إلى الآخر ويشتاق إليه.
والصاحب هو مَنْ تصطفيه من خلق الله ممَّنْ توافق أخلاقه أخلاقك، وطباعه طباعك، وسلوكه سلوكك. فهؤلاء الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا اختاروا الجنة واختارتهم واتخذتهم أصحاباً وأصفياء.
وقد ورد أن الجنة تشتاق إلى أهلها وتنتظرهم وتسأل عنهم، كما أن النار تشتاق إلى أهلها وتنتظرهم. ولا غرابةَ في ذلك، فكلُّ مخلوق له لغته التي يعبر بها، حتى الجمادات.
وقال تعالى:
{ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ .. } [النور: 41] فكلّ يُسبِّح بلغته هو أنت لا تفهمها لأنه لا يتحدث بلغتك، إنما الذي خلقها أعطاها لغة خاصة تتفاهم بها مع جنسها.
والقرآن يُخبرنا أن النملة تكلمتْ مع بني جنسها وتفاهمتْ معهم، وسمع سليمان كلامها وشكر الله أنْ أعطاه نعمة الفهم عن هذه المخلوقات، لذلك صوَّبنا مقولة: إن الحصى سبَّح في يد رسول الله.
فهذه ليستْ ميزة لأن الحصى مُسبّح بطبيعة الحال، فهو يُسبِّح حتى في يد أبى جهل، لكن الصواب أنْ نقول: سمع رسول الله تسبيح الحصى في يده.
{ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا .. } [الأحقاف: 14] لأن نعيم الجنة باقٍ خالد لا ينتهي ولا يُنغصه ما يُنغص نعمة الدنيا، فلا يفوتك ولا تفوته { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأحقاف: 14] قالوا: هذا الجزاء أهو حَقٌّ للعبد؟ أم هو تفضل من الله؟
قالوا: الجنة تفضل من الله، والعمل ما هو إلا سببٌ لا ثمنٌ لدخولها، لأن الحق سبحانه وتعالى حينما شرع لنا الشرائع إنما شرعها لمصلحتنا ولسلامتنا واستقامة أمور حياتنا على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة.
فنحن نجني ثمرة العمل الصالح ونسعد به في دنيانا، ومع ذلك يثيبنا الله عليه بثواب الآخرة دون أنْ يعود منه شيء على الله تعالى، ودونَ أنْ ينتفع منه بشيْ. إذن: دخول الجنة زيادة وتفضّل من الله.
وقوله: { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأحقاف: 14] فيه لفتة: ما هو العمل؟ العمل انفعال الجارحة لمهمتها، فاليد تتحرك واللسان ينطق والعين ترى وهكذا، لكن لو تأملتَ العمل تجده على قسمين: قول وفعل، فأخذ اللسانُ وحده شطر العمل، وأخذتْ باقي الجوارح الشطر الآخر؛ ولذلك: يقولون، ويفعلون؛ ولأن بالقول بلاغ المنهج الذي تنفعل له الجوارح طاعة أو معصية.