التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ
١٨
-الأحقاف

خواطر محمد متولي الشعراوي

نلاحظ أن الكلام كان في الآية السابقة عن مفرد، وهو الذي قال لوالديه (أفٍّ لكما) لكن هنا يشير إليه الحق سبحانه بصيغة الجمع { أُوْلَـٰئِكَ .. } [الأحقاف: 18] فيأتي بالقرار ويخبر عنه { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ .. } [الأحقاف: 18].
كأن (الذي) لا يفهم منها المفرد إنما يفهم منها الجمع، كما في قوله تعالى
{ وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ .. } [العصر: 1-3] فاستثنى الجمع من المفرد.
وقالوا في هذه الآية ما قالوا في الآية السابقة. أي: أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر، وهذا القول لا يستقيم مع معنى الآية لأن سيدنا عبد الرحمن أسلم وحسُن إسلامه، وهذه الآية تتحدث عمَّنْ حَقَّ عليهم العذاب. إذن: نزلت في شخص آخر غير عبد الرحمن.
وقد ورد لهذه المسألة قصة في كتب التاريخ، فالذي قال أنها نزلت في عبد الرحمن هو مروان بن الحكم، وكان أميراً على المدينة.
فلما بايع معاوية ابنه يزيد بالخلافة طلب من مروان أنْ يأخذ البيعة ليزيد، فاعترض على ذلك عبد الرحمن بن أبي بكر.
وقال: أجعلتموها هرقلية؟ يعني: ملكية يخلف الولدُ والده؟ فقال: اسكت يا هذا، ثم قال: أتعلمون من هذا؟ هذا الذي قال الله فيه
{ وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ .. } [الأحقاف: 17].
وبلغتْ هذه المقولة السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت: والله ما هو، ولو شئتُ أنْ أُسمِّي الذي قيلتْ فيه لقُلْته، ولكن قولوا لمروان: إن الله قد لعنك في ظهر أبيك.
ذلك لأن الحكمَ بنَ العاص كان يوماً يُقلِّد رسول الله في مشيته استهزاءً به، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فرآه، فأشار إليه بيده فنُفِي إلى الطائف، وبعد العزِّ الذي كان فيه في المدينة صار يرعى الغنم، إلى أنْ جاء سيدنا عثمان وتشفَّع له عند رسول الله فأذن له.
ولكن الصحابة قالوا: لم نسمع من الرسول، فقال عثمان: أنا سمعته.
ومعنى { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ .. } [الأحقاف: 18] يعني: وجب وثبت لهم العذاب الذي حذرناهم منه { فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ .. } [الأحقاف: 18] يعني: مضتْ وذهبت { مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } [الأحقاف: 18] لأن الله قال عن المؤمنين
{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [المؤمنون: 1].
ففي المقابل، وخسر الكافرون المكذبون.
وهذه الآية تدل على أن الجن أيضاً مكلّف، ومنهم الطائع والعاصي، والمؤمن والكافر، لذلك قال في سورة الجن:
{ وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [الجن: 15] إذن: سيُعذَّبون بما يناسب طبيعتهم.