التفاسير

< >
عرض

يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
٣١
وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٣٢
-الأحقاف

خواطر محمد متولي الشعراوي

معنى { دَاعِيَ ٱللَّهِ .. } [الأحقاف: 31] الأصل فيه رسول الله ثم المبلّغ عنه منهج الله للقوم { وَآمِنُواْ بِهِ .. } [الأحقاف: 31] أي: بما جاء به { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأحقاف: 31] قال: { مِّن ذُنُوبِكُمْ .. } [الأحقاف: 31] فأفادت (من) التبعيض. يعني: يغفر لكم بعض الذنوب، وهذه المغفرة ثمرة الإيمان.
ولم يقل كل الذنوب، لأن الحق سبحانه يغفر بعضها ويترك بعضها للتوبة والإنابة إليه، فمثلاً من الذنوب ما تغفرها الصلاة إلى الصلاة، أو الجمعة إلى الجمعة، أو رمضان إلى رمضان.
لكن هناك ذنوب لا بُدَّ لها من توبة، ويكون لمغفرتها شروط أخرى كما لو كانت في حَقِّ العباد، وهناك مظالم ومتعلقات لا بُدَّ أنْ تُردَّ إلى أصحابها { وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأحقاف: 31] إذن: الذنوب ينشأ عنها العقاب في النار، وإذا غفر الذنوب أجار صاحبها من النار، وهذه قاعدة التخلية قبل التحلية كما ذكرنا.
لكن لم يقُلْ هنا أنهم يدخلون الجنة، وهذا يفرض علينا سؤالاً: هل يدخل الجنُّ المؤمن الجنة؟ البعض يرى أنهم بعد الحساب سيتحوَّلون إلى تراب وتنتهي المسألة، بدليل أنه لم يُقلْ هنا أنهم يدخلون الجنة بعد أنْ يُجيرهم من النار.
لكن ما داموا مكلّفين مثلنا، ومنهم المؤمن والكافر، إذن: لا بُدَّ من الجزاء بالجنة أو بالنار، فإنْ وقفت عند مسألة أنهم خُلِقوا من النار، فكيف يُعذَّبون بها؟ هذا أمر بعيد في أذهاننا نحن، لكنه يسير على الخالق سبحانه، فله قوانين أخرى.
وسبق أنْ قلنا: أنت مخلوق من طين، فهل معنى ذلك أنك إذا نزلتَ البحر مثلاً (تبوش) ثم اقرأ إنْ شئتَ:
{ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } [الصافات: 64] فكيف تنبت شجرة في إصل الجحيم؟ إذن: لا تتكلم في هذه المسألة والله أعلم بخلقه.
وقوله سبحانه: { وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضِ .. } [الأحقاف: 32] معجز يعني: يُعجز غيره. والعجز ضعف لا يُمكنك من الفعل تقول: أعجز فلانٌ فلاناً يعني: سبَّب له ما يعجز عنه، ومنه قولنا: القرآن مُعجز يعني: أعجز العربَ عن الإتيان بمثله.
فؤلاء الذين عصوْا الداعي إلى الله وكفروا به لن يُعجزونا، ولن يجدوا لهم مهرباً من عقابنا ولا مفرّاً منه.
{ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ .. } [الأحقاف: 32] من دون الله { أَوْلِيَآءُ .. } [الأحقاف: 32] يعني: يتولونهم ويدافعون عنهم أو يشفعون لهم، ولا قوة تمنع عنهم عذاب الله { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [الأحقاف: 32] يعني: هؤلاء الأولياء ضَلُّوا عنهم، تاهوا فلا وجود لهم.
{ مُّبِينٍ } [الأحقاف: 32] محيط، كما يفعل التائه الذي ضلَّ طريقه، فيذهب إلى هنا ويذهب إلى هناك، فلا يهتدي للغاية التي يريدها.
ثم يعود السياق ويلفتهم إلى الآيات الكونية لعلهم يتدبرونها، لأنهم جحدوا وأنكروا ولم يستفيدوا بما خلقه اللهُ فيهم من وسائل الإدراك من سمع وبصر وتعقُّل، والحديث مرة أخرى عن الآيات الكونية وإظهارها لهم من باب تلوين العظات.