التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ
٣
-محمد

خواطر محمد متولي الشعراوي

قوله تعالى: { ذَلِكَ .. } [محمد: 3] إشارة إلى الجزاء الذي تقدم جزاء الكافرين الذين أضل أعمالهم، وجزاء المؤمنين الذين كفَّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم، هنا يُبيِّن علة ذلك وسببه، فالكافرون اتبعوا الباطل، والمؤمنون اتبعوا الحق، الباطل معدوم والحق ظاهر وثابت، فمَنِ اتبع المعدوم ينعدم عنده كُلُّ خير، ومن اتبع الحق الثابت الموجود يُوجد عنده كل خير.
لكن لماذا اتبع أهلُ الباطل الباطلَ؟ اتبعوه لأنه ليس له تكاليف تُقيد شهواتهم، وليس عنده محاذير ينبغي الوقوف عندها، البالطل يطلق للنفس العنان لتخوض في شهواتها وملذاتها ورغباتها.
بالباطل يسرق ويعيش على عرق بل دماء الآخرين، بالباطل يحقد على غيره ويحسده ويقتله، أما الحق فيمنعك من هذا كله ويُقيِّد عندك كل حركة منافية لمقتضيات الإيمان.
وإلا لماذا عُبدت الأصنام، وعُبدتْ الشمس والقمر والنجوم؟ نعم هم يعلمون أنها لا تضر ولا تنفع، لكن ليس لها تكاليف تقيدهم، لذلك عبدوها.
وقوله تعالى: { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } [محمد: 3] ضَرْب الأمثال لَوْنٌ من ألوان البيان لتوضيح المعنى في القرآن الكريم، ففي المسائل التي تقف فيها الأفهام يُوضحها الحق سبحانه للناس بالمثل ليُقربها للأذهان.
كما ضرب لنا مثلاً للذين يتخذون الشركاء مع الله، فقال سبحانه:
{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً .. } [الزمر: 29].
وأنت حين تقرأ هذا المثل يتضح لك مغبة الشرك وسلامة التوحيد، فهما نقيضان لا يستويان، كما لا يستوي عبد لعدة أسياد، وليتهم متفقون إنما مختلفون فيما بينهم، بحيث لا يستطيع إرضاء أحد منهم، وآخر عبدٌ لسيد واحد.
وكما ضرب اللهُ لنا مثلاً لنوره أو لتنويره للكون في سورة النور:
{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ .. } [النور: 35].
ومن الأمثال التوضيحية:
{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 41].