التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
١
-الحجرات

خواطر محمد متولي الشعراوي

تستطيع هنا أن تلاحظ المناسبة بين هذه الآية في مفتتح سورة الحجرات وبين نهاية سورة الفتح، الحق سبحانه في أواخر آيات الفتح حدثنا عما دار في الحديبية، وكيف انتهى الموقف هناك بالصلح، وكيف أن هذا الصلح أحدث خلافاً بين الرسول وبين المؤمنين به.
"ووقف رسول الله وحده وقَبِلَ الصلح وقَبِلَ كل شروطهم، وتنازل لهم عن أشياء دلَّتْ على حنكته السياسية وعلى بُعْد نظره، في حين عارضه المؤمنون كما رأينا.
حتى أن عمر يقول له: يا رسول الله ألسنا على الحق؟ يقول: بلى، يقول: أليسو على الباطل. يقول: بلى، يقول: فلم نُعطِ الدنية في ديننا؟ "
.
وقلنا: أنهم قبل أنْ يعودوا إلى المدينة أخبرهم الحق سبحانه بالحكمة من العودة دون أداء العمرة هذا العام. إذن: كان للمؤمنين رأي، وكان لرسول الله رأي آخر، لأن المسلمين تعصبوا لأنفسهم أما رسول الله فقد تعصَّب للإسلام.
ولما حدثتْ المعارضة لرسول الله جاءتْ سورة الحجرات لتعالج هذه المسألة في أول آية منها: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ .. } [الحجرات: 1] والنداء هنا خاص بالذين آمنوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً.
{ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ .. } [الحجرات: 1] يعني: إياكم أنْ تُقدِّموا رأياً أو تقطعوا أمراً قبل أنْ يأذن الله لكم به ويأذن رسوله ويقضي فيه، لأن رسول الله لا يصدر إلا عن وحي من الله.
وأنتم حينما تقفون في وجه أمر الرسول فأنتم في حقيقة الأمر تعارضون أمر الله الذي ارتضيتم به رباً وإلهاً وآمنتم بصفاته، ومقتضى هذا الإيمان ألاَّ تُقدِّموا رأيكم على رأيه، ولا حكمكم على حكمه، فإذا قال الله أو قال رسول الله فلا تقدموا رأياً من عندكم.
وكلمة { بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ .. } [الحجرات: 1] بين يديك يعني: أمامك، يعني لا تسبقوه بأنْ تقطعوا أمراً دونه، وتذكّر أنك أمام الله وفي مواجهته، فهو لا يُكلِّفك حركة فتلتفت يميناً أو شمالاً.
وقوله: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ .. } [الحجرات: 1] يعني: إنْ أردتم ألاَّ تُقدِّموا بين يدي الله ورسوله فاتقوا الله في ذلك. يعني: لا تكونوا كذابين فيه، ولا تعودوا مرة أخرى إلى المخالفة فهذا لا يصح.
{ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الحجرات: 1] يعني: اتقوا مَنْ هذه صفاته فهو سميع يسمع كلَّ ما يقال، وعليم بكل ما يختلج في نفوسكم، ولا يخفى عليه شيء من أموركم. وما دُمتم قد آمنتم به فقد وجبتْ عليكم طاعته وطاعة رسوله.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ ... }.