التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ
١٥
-الحجرات

خواطر محمد متولي الشعراوي

الحق سبحانه يريد أنْ يوضح لهم معنى الإيمان، وأنه ليس كلمة تُقال، إنما عقيدة راسخة لا يداخلها شكّ ولا ارتياب { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ .. } [الحجرات: 15] آمنوا بالله وبوحدانيته، وأنه سبحانه وحده الخالق الرازق المدبر لشئون هذا الكون، آمنوا بأسماء الله وصفاته، كذلك آمنوا برسول الله، وأنه أمين صادق في البلاغ عن الله، ثم لم يرتابوا ولم يشكّوا في شيء من هذا.
ومن صفات المؤمنين أيضاً { وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ .. } [الحجرات: 15] وهل هناك أدلّ على صدق الإيمان والإخلاص فيه من أنك تجود بنفسك في سبيل هذا الإيمان؟
لذلك قال { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ .. } [الحجرات: 15] أي: المؤمنون حقّ الإيمان، هذه صفاتهم، ثم في آخر الآية يصفهم بالصدق في إيمانهم.
{ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } [الحجرات: 15] نعم صادقون في إيمانهم، لأنهم ضحُّوا بأغلى وأعزّ ما يملك الإنسان بالمال ثم بالنفس، والشهيد ما ضحى بنفسه وما قدَّم ماله إلا وهو على يقين من أنه سيجد عند الله أفضل مما ترك في الدنيا.
لذلك يجزيه ربه بالحياة الباقية، فلا يدركه موت بعد ذلك
{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران: 169].
أي: يعاملون معاملة أهل الجنة، فيأكلون ويشربون ويتمتعون، ولاحظ أن هذه الحياة وصفها الحق سبحانه بقوله:
{ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران: 169] لا عندك أنت.
وهذا يعني أنك لو فتحتَ على شهيد قبره لن تجده حياً، لأنه ليس حياً عندك، إنماهو حيٌّ عند الله.
وفي قوله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } [الحجرات: 15] تعريض بهؤلاء الذين كذبوا على الله وادَّعوا الإيمان، كأنه يقول لهم: لقد آمن أولئك وصَدقوا في إيمانهم، أما أنتم فكذَّبتم وتجاوزتم الحقيقة.