التفاسير

< >
عرض

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ
١٢
وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ
١٣
وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ
١٤

خواطر محمد متولي الشعراوي

هذه تسلية لرسول الله، وتخفيف عنه لما يلاقيه من تكذيب قومه له، وقد عرضتْ الآياتُ موقفهم أولاً { بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ } [ق: 2] ثم كذَّبوا بالبعث الذي أخبر به، فقالوا: { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } [ق: 3].
فأراد الحق سبحانه أن يعرض على رسوله موكب الرسالات السابقة عليه، وكم حدث فيها من تكذيب لإخوانه الرسل.
وكأنه يقول له: يا محمد لست بدعاً في ذلك { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ .. } [ق: 12] أي: قبل قومك كذَّب { قَوْمُ نُوحٍ .. } [ق: 12] مع أنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، ومع ذلك كذَّبوا ولم يؤمن معه إلا القليل منهم.
لكن هل تركهم الله؟ لا بل انتقم منهم بالغرق الذي أبادهم عن آخرهم، فما كان الحق سبحانه ليترك أهل الفساد وأهل التكذيب ومصادمة الرسل دون عقاب، بل يُملي لهم ثم يأخذهم بلا هوادة.
فقوم نوح عليه السلام كانوا يسخرون منه، وهو يصنع السفينة، فيقول لهم: سيأتي اليوم الذي نسخر نحن منكم كما تسخرون منا، وكأنه على ثقة من نصر الله وتأييده لدعوته، وكما كذب قوم نوح كذب { وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ .. } [ق: 12].
والرسُّ اسم بئر معروفة { وَثَمُودُ } [ق: 12] وهم قوم سيدنا صالح { وَعَادٌ } [ق: 13] قوم سيدنا هود { وَفِرْعَوْنُ .. } [ق: 13].
وقصة فرعون مع سيدنا موسى معروفة { وَإِخْوَانُ لُوطٍ .. } [ق: 13] أي قومه { وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ .. } [ق: 14] والأيكة الحديقة كثيفة الأشجار متشابكة الأغصان، وسكان هذه الحديقة هم قوم سيدنا شعيب.
{ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ .. } [ق: 14] تبع كان ملكاً من ملوك اليمن يُقال له أبو كرب الحميري. وكل هؤلاء المكذبين كانوا أصحاب حضارة وأهل نعمة ورفاهية، لكن بعد أنْ كذَّبوا الرسل وخالفوا منهج الله بدّل الله حالهم، وقلبَ أوضاعهم فأهلكهم بذنوبهم.
لذلك يقول هنا { كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ } [ق: 14] أي: لما كذَّبوا رسلي حَقَّ عليهم ما وعدتهم به من العذاب ووجب لهم الهلاك.
وفي آية أخرى فصل ذلك الانتقام فقال:
{ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [العنكبوت: 40].