التفاسير

< >
عرض

قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ
١٠
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ
١١
يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ
١٢
يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ
١٣
ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
١٤
-الذاريات

خواطر محمد متولي الشعراوي

معنى { ٱلْخَرَّاصُونَ } [الذاريات: 10] أي: الكذابون، كما قال في آية أخرى: { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [الزخرف: 20] لكن كيف يقول { قُتِلَ .. } [الذاريات: 10] وهم أحياء،؟ قالوا: المراد هنا لُعنوا مني وأبعدوا عن رحمتي، والقتْل يُخرجك من نعيم الدنيا، أما اللعن فيُخرجك من رحمة الله في الآخرة ويُدخلك في عذابه والعياذ بالله.
كأنه سبحانه يقول لهم مَنْ تقتلون ومَنْ تلعنون، بل أنتم الذين ستُقتلون وتُبعثون وتُحاسبون، وأنتم الذين ستُلعنون وتُطردون من رحمة الله.
ثم يصفهم سبحانه بقوله: { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } [الذاريات: 11] يقولون: غمره الماء إذا شمله وأغرقه، فكأن هؤلاء غمرهم الجهل حتى غرقوا فيه فأعماهم، ومعنى { سَاهُونَ } [الذاريات: 11] غافلون لاهون منصرفون عما يُراد منهم.
ومثل هؤلاء لا نجاة لهم يوم القيامة، هذا اليوم الذي يُكذِّبون به ويسألون عنه سؤال الشك والاستهزاء { أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } [الذاريات: 12] متى هذا اليوم؟
فيُبيِّنه الله لهم { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [الذاريات: 13] يوم الدين الذي تكذبون به هو هذا اليوم الذي ستُلْقون فيه في جهنم وتذوقون فيه العذاب ألواناً، جزاء استهزائكم وسخريتكم.
{ ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ .. } [الذاريات: 14] ذوقوا آثار فتنتكم في الدنيا، والنار أيضاً تُسمّى فتنة حين تُصهر المعدن مثلاً لتنقيه وتُخرج شوائبه.
فيوم الدين الذي تسألون عنه سؤالَ استهزاء وإنكار له هو يوم تُفتنون على النار وتُحرقون بها كما يفتن الذهب والحديد، وإنْ كان الذهب والحديد يفتن ليخرج منه خبثه وشوائبه فيصير صلْباً فأنتم تفتنون على النار لتعذَّبوا بها وتُقاسموا الآلام التي لا تنتهي.
{ هَـٰذَا } [الذاريات: 14] أي: عذاب يوم القيامة { ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } [الذاريات: 14] واستعجالهم له نتيجة تكذيبهم به، فلو آمنوا بأنه حَقٌّ ما استعجلوه.
وقد حكى القرآن قولهم:
{ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [الأحقاف: 22].
إذن: سؤالهم عن يوم الدين { أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } [الذاريات: 12] استهزاء به وإنكار له، لأنهم يؤمنون بشيء غيبي أخبر الله عنه، مع أنهم أخذوا النعم المادية التي أنعم الله بها عليهم، وخلق بها النفع لهم، لكنهم أخذوا النعمة ولم يلتفتوا إلى المنعم، بل اغتروا بالنعمة فقالوا ما قالوا من إنكار واستهزاء.
لذلك نجد آيات كثيرة تجادلهم بالحجة وبالبرهان، وتثبت لهم أن القيامة حق، فلما قالوا:
{ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } [الإسراء: 49] رد عليهم: { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ .. } [الإسراء: 50-51].
فلأنهم استبعدوا إحياء العظام نقلهم نقلة أعلى من العظام، فالعظام لها أصل في الحياة، فيقول لهم: حتى لو كنتم جماداً حجارة أو حديداً مما يتصف بالصلابة ولا صلةَ له بالحياة، فنحن قادرون على إحيائكم.
بعد أنْ تكلَّم الحق سبحانه عن المعاندين لرسول الله المكذبين بالقيامة يذكر سبحانه المقابل، وقلنا في ذكر المقابل توضيح للصورة، والضد يظهر حُسْنه الضد، فيقول سبحانه:
{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ ... }.