التفاسير

< >
عرض

وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً
١
فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً
٢
فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً
٣
فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً
٤
-الذاريات

خواطر محمد متولي الشعراوي

الواو هنا واو القسم، فهذه أقسام يقسم بها الحق سبحانه، ونحن لا نقسم إلا بالله لأنه لا توجد عند المؤمن عظمة فوق عظمة الله، أما الحق سبحانه فيقسم بما يشاء من مخلوقاته لأنه سبحانه أعلم بأوجه العظمة فيها ومواطن الحكمة في كل قسم منها.
فمثلاً يقسم سبحانه فيقول
{ وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } [الضحى: 1-2] فلماذا أقسم سبحانه بالضحى والليل إذا سجى بالذات، ولم يقسم بشيء آخر؟
جاء هذا القسَم رداً على كُفار مكة عندما فتر الوحي عن رسول الله فرحوا وقالو: إن رب محمد قد قلاه.
فالقسم هنا له مغزى ومناسبة، فالضحى محلُّ الحركة والعمل، والليل محل الراحة والسكون، وكل منهما لا يستغني عن الآخر.
فهنا إشارة إلى الحكمة من فتور الوحي، كأنه يقول لهم: تأملوا في الزمن الذي يشملكم، وكيف أنه ليل للراحة ونهار للعمل، وكلٌّ منهما يكمل الآخر.
كذلك مسألة الوحي لما نزل على رسول الله بداية الأمر كان شاقاً عليه مُرهقاً له صلى الله عليه وسلم، وقد وصف رسول الله هذه المشقة فقال عن المَلك
"ضمَّني حتى بلغ منِّي الجهد ولما عاد إلى بيته قال: زمِّلوني زمِّلوني دثروني دثروني" .
فكان فتور الوحي عن رسول الله فرصة يستريح فيها من العناء، ويشتاق فيها لمباشرة الملَك من جديد، فشبَّه نزول الوحي أولاًَ بالنهار وفتوره بالليل.
هنا الحق سبحانه يقسم بالذاريات، وهي الرياح، والرياح قوة وطاقة ضرورية للحياة في هذا الكون { ذَرْواً } [الذاريات: 1] أي: تذرو الأشياء وتحركها، والذاريات هي التي تحمل بخار الماء إلى مواطن تكوّن السحاب.
فقال بعدها { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } [الذاريات: 2] وهي السُّحب تحمل الماء وتتجمع حتى تصير ثقيلة، كما قال سبحانه:
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ .. } [النور: 43].
والوقر: الحِمْل الثقيل، يقول سبحانه:
{ وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } [الرعد: 12] ثم إن هذه السُّحب بعد أنْ تتكوَّن لا تقف في مكانها إنما تحركها الرياح.
{ فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } [الذاريات: 3] أي: السُّحب تجري جرياً خفيفاً، وتسبح في الفضاء في خفَّة ونعومة.
وقوله: { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } [الذاريات: 4] أي: التي تقسِّم هذه السحب، وتسُوقها إلى مواطن سقوطها، كما قال سبحانه:
{ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ .. } [النور: 43] ثم يأتي جواب هذه الأقسام الأربعة:
{ إِنَّمَا تُوعَدُونَ ... }.