التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ
٢١
-الطور

خواطر محمد متولي الشعراوي

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ .. } [الطور: 21] أي: آمنوا بالله وحده لا شريك له، وأنه واحد أحد، واعتقدوا ذلك، واحد أي ليس معه غيره، وأحدٌ أي في ذاته، وأحد ليس له أجزاء { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1].
والإيمان لا يكون كاملاً إلا إذا صحبه عملٌ بمقتضى هذا الإيمان، عمل بالمنهج الذي وضعه لك مَنْ آمنت به، لذلك قرن في مواضع كثيرة بين الإيمان والعمل الصالح، فقال:
{ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ .. } [الطلاق: 11].
وقوله تعالى: { وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ .. } [الطور: 21] فالرجل آمن وعمل صالحاً واتبعتْه في هذا ذريته من بعده، آمن مثله، لكن عمله دون عمل أبيه وأقلّ منه، فالحق سبحانه بكرمه ورحمته بالذرية، وكرامةً للأب المؤمن يرفع إليه ابنه إلى المرتبة الأعلى.
{ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ .. } [الطور: 21] ما نقصناهم شيئاً، زدنا الأبناء ولم ننقص الآباء، لأن شرط الإيمان متوفر في الاثنين، أما العمل فإنْ قَلَّ يُجبر تفضّلاً من الله وتكرّماً.
معنى ذرية هي النسل المتسلسل، فذرية الرجل أولاده وأولاد أولاده، فالأب من الذرية، والابن من الذرية ففيها تسلسل النسب، والذرية قسمان: ذرية قبل التكليف وذرية بعد التكليف. والمراد هنا الذرية المكلَّفة والمطلوب منها الإيمان والعمل الصالح. وكلمة { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ .. } [الطور: 21] أي: أيّ شيء مهما كان صغيراً.
وقوله تعالى: { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } [الطور: 21] رهين صيغة مبالغة على وزن فعيل، وهذا الوزن يأتي فعيل بمعنى فاعل مثل رحيم أي: راحم. وتأتي فعيل بمعنى مفعول مثل قتيل أي: مقتول.
وهنا رهين بمعنى مرهون من الرهن، والرهن كما تعرفون شيء عيني يجعله المحتاج للمال عند صاحب المال ضماناً له حتى يقضي دَيْنه، فالرهن موقوف على المال حتى يعود إلى صاحبه، كذلك العبد يوم القيامة مرهون بعمله محبوس عليه.
أو نقول: رهين بمعنى راهن فاعل أي: راهن عمله إنْ خيراً وجده خيراً. وإنْ شراً وحده شراً.