التفاسير

< >
عرض

أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ
٣٣
فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ
٣٤
-الطور

خواطر محمد متولي الشعراوي

{ تَقَوَّلَهُ .. } [الطور: 33] اختلقه وأتى به من عند نفسه، ولما لم تنطلِ هذه الفرية قالوا: { إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ .. } [النحل: 103] فردَّ الله عليهم { لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [النحل: 103].
وهنا يرد عليه الحق سبحانه { بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } [الطور: 33] يعني المسألة ليست مسألة قرآن من عند محمد، إنما المسألة أنهم لا يريدون أنْ يدخلوا ساحة الإيمان، هكذا ظُلْماً وعناداً واستكباراً عن قبول الحق دون نظر ودون تأمل أو تفكير.
فكلُّ هذه التهم التي حاولوا إلصاقها برسول الله أو بكتابه يعرفون أنها باطلٌ أتوْا بها من عند أنفسهم، ليصرفوا محمداً عن دعوته، وهم يعلمون أنه صادق، وأن القرآن حَقٌّ، وأنه من عند الله، لكنهم لا يريدون أنْ يؤمنوا.
لذلك يُعلّمهم الحق سبحانه كيفية التفكير السليم الموصِّل إلى الحق، فيقول لهم:
{ قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ .. } [سبأ: 46].
أي: اتركوا التفكير الجماعي والكلام الجماهيري، لأنه لا يُوصِّل إلى الحق.
إذن: إذا فكرتم وأعملتم عقولكم بطريقة صحيحة فلابدَّ أنْ تصلوا إلى حقيقة، هي أن محمداً صادق فيما جاءكم به.
والقرآن لا يدعوهم إلى التفكر إلا إذا كان هذا التفكّر سيصل بهم إلى هذه الحقيقة، لذلك نقرأ كثيراً
{ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } [يس: 68] { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } [يونس: 3] { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } [الأنعام: 50].
وقوله سبحانه: { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } [الطور: 34] يعني: إنْ كان القرآنُ مختلقاً كما يدَّعون فليأتوا بقرآن مثله أي مختلق، وهم أقدر الناس على الكلام والبيان، وأكثر الناس فصاحة، ولهم أسواق للخطابة وللشعر { إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } [الطور: 34] أي: في هذا الادعاء.