التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً
٩
وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً
١٠
فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
١١
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ
١٢
-الطور

خواطر محمد متولي الشعراوي

الحديث هنا عن يوم القيامة، وفيه تمور السماء موراً، فهذه السماء وهذا السقف المرفوع المحفوظ، وهذا البناء المحكم الذي قال الله فيه { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ .. } [الذاريات: 47] أي: بقوة وإحكام، وقال: { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } [النبأ: 12].
هذه السماء تمور يعني: تتحرك وتضطرب أو تتقطع، كما يحدث للقماش القديم المهترىء، وفي موضع آخر عبَّر عن هذا المعنى بقوله سبحانه:
{ يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } [المعارج: 8].
وهذا يعني أن بناء السماء تهدَّم وتفككتْ أوصاله كما تهدَّم كل شيء في الكون، حيث لم يَعُدْ لها مهمة، فمهمة السماء في الدنيا أنها كانت من أسباب الحياة الدنيا.
أما في الآخرة فلا حاجة للأسباب، لأننا هناك نعيش بالمسبِّب سبحانه، لا حاجة لنا في هذه الأسباب التي نحيا بها.
لذلك يقول سبحانه في هذا اليوم:
{ وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا .. } [الزمر: 69] يعني: لسنا في حاجة إلى الشمس، لأننا نستضيء بنور ربِّ الشمس ومسبِّبها سبحانه.
وقوله تعالى: { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } [الطور: 10] كما قال:
{ وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } [التكوير: 3] هذه الرواسي الثابتة كالأوتاد على ضخامتها تسير وتتحرك، ثم تتفتتْ وتتناثر.
قال سبحانه:
{ وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } [المعارج: 9] أي: الصوف المندوف المتناثر، نعم فلم يَعُدْ لها مهمة، كانت مهمتها تثبيت الأرض، والآن تهدَّم كلُّ هذا النظام وتفكك.
{ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [الطور: 11] ويل لهم، لأنهم أخذوا بالأسباب وانتفعوا بها ونسوا المسبب، فها هي الأسباب تفنى ولم يَبْقَ إلا مُسبِّبها الله الذي كفرتم به وكذَّبتم رسله، والآن لا يأخذ خير المسبب إلا من آمن به وصدق رسله ساعة بقاء الأسباب.
لذلك نقول: إياك أنْ تغترَّ بالأسباب مهما طاوعتك ومهما أعطتْك، واعلم أن وراء الأسباب مُسبِّبها.
تذكرون أن باكستان في فترة من الفترات خططتْ لزراعة مساحات واسعة من القمح، وجاءت دراسة الجدوى تُبشِّرهم بالاكتفاء الذاتي ثم التصدير حتى لأمريكا، وفعلاً زرعوا الفمح حتى قارب على الاستواء، فنزلتْ عليه آفة أفسدته، وفي هذا العام استوردوا القمح لأنهم اعتمدوا على الأسباب ونسُوا المسبِّب سبحانه.
أيضاً في قصة قارون:
{ قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ .. } [القصص: 78] فلما اغتر بعلمه وفَهْمه تركه الله وقال: احفظ مالك أيضاً بعلمك، ثم جاءته الطامة التي لا يستطيع أنْ يدفعها { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ .. } [القصص: 81] فأين عنديتك الآن؟
نعم { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [الطور: 11] الذين كذَّبوا بالله الموجد الأعلى وكذَّبوا رسله، وظنوا أن الحياة الدنيا هي الغاية، وهي نهاية المطاف كما يقول الذين يؤمنون بالطبيعة ويكفرون بالله.
لذلك زاد في تعريفهم، فقال: { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } [الطور: 12] وفي موضع آخر قال:
{ فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ .. } [المعارج: 42].
والخوض يكون في الماء، وفيه إشارة إلى التخبُّط وعدم الهدى، فأنت مثلاً حينما تسير على قدميك على الأرض تستطيع أنْ تتحسسَّ مواضع قدمِك، وتشعر بأماكن الخطر في الطريق لأنك تسير فيه على هدى وبصيرة.
لكن حينما تسير في الماء فأنت لا تعرف أين تضع قدميك ولا تأمن العطب، لذلك حين نتأمل القرآن الكريم نجده لم يستخدم الخوض إلا في الباطل، فقال:
{ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } [الأنعام: 91] وقال: { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ .. } [الأنعام: 68].
وقد عبَّر القرآن عن هذا المعنى، فقال:
{ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } [الذاريات: 11] كأنهم في ماء يغمرهم ويتخبطون فيه.