التفاسير

< >
عرض

إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ
٢٣
-النجم

خواطر محمد متولي الشعراوي

ما زال الكلام موصولاً عن الأصنام: اللات والعزى ومناة، فيخبر عنها الحق سبحانه { إِنْ هِيَ .. } [النجم: 23] أي: ما هذه الأصنام { إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ .. } [النجم: 23] أسماء من تأليفكم لأصنام من صُنْع أيديكم.
ومعلوم أن الاسم يُوضع ليدل على مُسمّى، أما هذه الأصنام فأسماء دون مُسمّى فهي باطلة، قلتم آلهة وهي حجارة لا تضر ولا تنفع.
{ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم .. } [النجم: 23] لأنهم ورثوها عن الآباء والأجداد كما حكى عنهم:
{ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [الزخرف: 23] إذن: أقرُّوا بخطأ آبائهم، وأنهم سائرون على منهجهم.
ثم يُبيِّن لهم بُطْلان معتقداتهم { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ .. } [النجم: 23] أي: هي من عند أنفسكم ليست من عند الله، ولا برهانَ ولا دليلَ على صدقها، وأنتم وآباؤكم لستم مُشرِّعين.
فالتشريع والأمور العقدية لا تُؤخذ عن البشر، إنما تُؤخذ عن الله، وهؤلاء لا يتبعون هدى الله، إنما { إِن يَتَّبِعُونَ .. } [النجم: 23] إن نافية بمعنى: ما يتبعون { إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ .. } [النجم: 23] لا يتبعون حقائق ولا واقع.
الظنّ نسبة من النسب الكلامية الست التي سبق أنْ بيَّناها، وهي: العلم والجهل والتقليد والشك والظن والوهم، فالنسبة الكلامية إنْ كان لها واقع مجزوم به ويمكن إقامة الدليل عليها فهي علم، وإنْ كان لها واقع مجزوم به وليس عليها دليل فهي تقليد.
فإنْ كانت النسبة الكلامية ليس لها واقع فهي جهل، هذا في النسبة المجزوم بها، فإنْ كانت النسبة الكلامية غيرَ مجزوم بها يعني تحدث أو لا تحدث، فإذا تساوتْ الكِفّتان فهذا الشك، فإنْ كان الوقوع راجحاً فهو الظن، وإنْ كان الوقوع مرجوحاً فهو الوهم.
والظن يمكن العمل به في الأمور العادية، فلو أردنا مثلاً السفر إلى الإسكندرية فقلت لصاحبي: هذا الطريق سهل وعليه متطلبات السفر، فقال: الطريق الآخر أظن أنه أفضل لأنه حديث وكذا وكذا، فيجوز أنْ أترك اليقين الذي أعلمه عن الطريق وأسلك الطريق الآخر المظنون، لأن الاختيار لو كان خطأ فالضرر الحاصل به قليل.
أما في مسائل الدين والعقيدة فيجب الأخذ باليقين لا بالظن، والحق سبحانه يخبر عن هؤلاء أنهم اتبعوا الظن في أمور العبادة، فقالوا: إن لله تعالى جلالاً وكبرياء، ولا نقدر أنْ نلتحم به ونعبده، ولكن نعبد شيئاً آخر يُوصِّلنا إليه ويشفع لنا عنده.
إذن: قوله تعالى: { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ .. } [النجم: 23] أي: في العقيدة { وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ .. } [النجم: 23] في السلوك والعمل يتبعون هوى النفس، والهوى يُطلق على ما يُذم من مطلوبات النفس.
{ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } [النجم: 23] اللام للتوكيد، و(قد) حرف تحقيق.
يريد سبحانه أنْ يؤكد على هذه الحقيقة، وهي أن هدى الله جاءهم وبلغهم رسول الله منهج الله، ومع ذلك تركوا الحق واليقين، واتبعوا الظن وما تهوى الأنفس، ولو اتبعوا الظن والهوى قبل أنْ يأتيهم منهج الحق لكان لهم عُذر، أما وقد فعلوا ذلك بعد أنْ جاءهم الهدى من الله فلا عذرَ لهم ولا حجة.