التفاسير

< >
عرض

أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ
٢٤
فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ
٢٥
-النجم

خواطر محمد متولي الشعراوي

أيظنون وقد فعلوا من الانصراف عن هدى الله إلى ظنون كاذبة، أيظنون أن الإنسان يسير في الدنيا على هواه؟ وأن له ما تمنى حتى لو كانت أمانيه مخالفة لمنهج ربه؟ الواقع أنه ليس له ذلك، لأن الدين والعقيدة لا تُؤخذ بالأماني، والحق سبحانه ليس على هواك.
والتمنِّي طلب شيء لا يمكن الوصول إليه وغير ممكن الحدوث، والتمني لا يعني إلا أنك تحب هذا الشيء الذي تتمناه، نعم تحبه لكنه لن يحدث، كما قال الشاعر:

ألاَ لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ يَوْماً فَأُخْبِرُهُ بِمَا فَعَلَ المشِيبُ

فهم يتمنْونَ ذلك، يتمنون أنْ يكون للإنسان ما يريده وما يحبه دون ضوابط، فهذه أمنية، والأمنية شيء يحبه الإنسان، لكنه لا يتحقق، لأن الإنسان لا يملك الظروف المتعلقة به، ولا يملك الأسباب التي تحقق له كلَّ ما يريد، بل له ربٌّ يُقدِّر الأقدار والأفعال والخير والشر.
وفي آيات متعددة يُبيِّن الحق سبحانه أمنية هؤلاء، فمن أمانيهم قولهم:
{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ .. } [الزمر: 3] ومن أمانيهم ما حكاه القرآن عن صاحب الجنة في سورة الكهف: { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } [الكهف: 36].
وفي موضع آخر قال أحدهم:
{ وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ .. } [فصلت: 50] وهكذا تمنِّي الإنسان لنفسه لا يقف عند حَدٍّ، قال تعالى: { لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } [فصلت: 49].
ومن أمانيهم ما حكاه القرآن عن الوليد بن المغيرة:
{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } [مريم: 77-78] لا هذا ولا ذاك، لأنه ما اطلع على الغيب، وليس له عند الله عهد بأنْ يعطيه ما يريد.
ثم يردُّ الله عليه:
{ كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً } [مريم: 79-80].
إذن: ليس للإنسان ما تمنّى، وكيف يكون له ذلك والأمر كله لله وحده في الأولى وفي الآخرة { فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } [النجم: 25] هنا أسلوب قصر بتقديم الخبر الجار والمجرور على المبتدأ، أي: لله وحده { ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } [النجم: 25].
فقدّم الآخرة لأنهم قالوا عن الأصنام: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فأخبر أن الآخرة لله وحده، ولا تنفعكم هذه الشفاعة لأنها باطلة { وٱلأُولَىٰ } [النجم: 25] أي: ما يتمنونه في الدنيا مما لا قدرةَ لهم على تحقيقه.
وقالوا: قدَّم الآخرة على الأولى مع أن الترتيب الأولى والآخرة، لأن الآخرة هي محلّ النزاع بين مُصدِّق بها ومُنكر لها، ومحلّ شك في وقوعها، لذلك قدَّمها على الأولى للتأكيد على أنها حقّ، وحقّ آكد من الأولى التي عاينتموها.