التفاسير

< >
عرض

وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى
٣١
-النجم

خواطر محمد متولي الشعراوي

هذا أيضاً أسلوب قصر بتقديم الخبر. أي: لله وحده.
وفي آية أخرى قال تعالى:
{ لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ .. } [الشورى: 49] فالسماوات والأرض عجيبة في ذاتها، والذي فيها أعجب { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ .. } [النجم: 31] وقال { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ .. } [النحل: 77].
فهذه مراحل ثلاث في مُلك الله، يملك سبحانه الظرف السماوات والأرض، ويملك المظروف أي: ما في السماوات وما في الأرض وكل منهما عجيب ويملك الأعجب من ذلك، وهو ما خفي عنا في ملكوت السماوات والأرض.
وهذا يعني أنك أيها الإنسان لا تزهد في الاستنباط، فالكون مليء بما تعلمه وما لا تعلمه من الآيات والعجائب، وفيه عطاءات لا تتناهى ولا تنفد، ما دامت السماوات والأرض، فإذا نفدت العجائب والأسرار بنفاد الدنيا جاءت عجائب وأسرار الآخرة.
ثم يُبيِّن سبحانه أن هذه الملك في السماوات والأرض يترتب عليه الجزاء في الآخرة، لأن الملك ملكُ الله، والخَلْق خَلْق الله، والرسل رسل الله، والمنهج منهج الله، فأمامك أيها الإنسان الكون الفسيح وما فيه من آيات كونية تدل على قدرة الخالق سبحانه فاستدل بالخلق على الخالق.
ثم أرسل لك الرسل وأنزل الكتب وشرَّع الشرائع وبيَّن الحلال والحرام، وبيَّن الحدود، وبيَّن الجزاء، فلا بد أنْ ينتهي مُلْك السماوات والأرض إلى الجزاء، والجزاء لا بد وأنْ يكون من جنس العمل { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } [النجم: 31].
والآيات ثلاث كما قلنا: آيات كونية تدل على قدرة الله، وآيات معجزات تدل على صدق الرسول في البلاغ عن الله، وآيات الأحكام التي يضمها القرآن الكريم، فمَنْ لم يعتبر بهذه الآيات ولم يحسن استقبالها فقد أساء فيُجزي بإساءته.
ومن أحسن استقبالها يُجزى بإحسانه وكأنه حيا المكلِّف سبحانه وتعالى بالطاعة فيُحييه الله بأحسن منها { وَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } [النجم: 31] أي: بالأحسن مما قدَّموا، فإذا كنا قد أمرنا في الدنيا بأنْ نرد التحية بأحسن منها، فالله أوْلى بذلك.
وتأمل هنا اللياقة في التعبير والدقة في الأداء، فلم يقُلْ: ليجزي الذين أساءوا بالسوء، ولكن { بِمَا عَمِلُواْ .. } [النجم: 31] فلم يواجههم بكلمة السوء، ولكن وضع أمامهم العمل الذي قدَّموه.
وفي هذا إشارة إلى عدل الله
{ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [آل عمران: 117]. ثم يقدم جزاء أهل السوء على جزاء أهل الإحسان، ليكون الجزاء بالحسنى هو آخر ما يباشر أسماعنا.
ثم تشرح الآيات وتُفصِّل القول في الذين أحسنوا، ما وجوه الإحسان في أعمالهم.