التفاسير

< >
عرض

أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ
٣٣
وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ
٣٤
أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ
٣٥
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ
٣٦
وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ
٣٧
-النجم

خواطر محمد متولي الشعراوي

قالوا: نزلت هذه الآيات في الوليد بن المغيرة، حيث كانت بداية علاقته بدعوة الحق أنْ تولَّى عنها وأعرض عن سماع القرآن، ثم حَنّ قلبه وأُعجب بما يقوله رسول الله، فأعطى قليلاً من الأمان لأمر الدعوة واطمأن لها.
ثم تذكر عزته ومكانته بين قومه وخاف أنْ يُقال صبأ عن دين الآباء والأجداد فنكص على عقبيه وتراجع. وقالوا: جاءه رجل وحذَّره من الإيمان بمحمد. وقال له: إن كنت خائفاً من العذاب، فأنا أتحمله عنك مقابل أنْ تعطيني كذا وكذا، فأعطاه ثم تراجع ومنعه.
وقالوا: نزلتْ في النضر بن الحارث أيضاً: جاءه رجل وقال له: إن عذاب الله شديد وأنا أتحمله عنك، وأعطني خمس قلائص أي: خمساً من الجمال لكنه استكثرها، فمنع الرجل هذا العطاء. وقالوا أيضا: نزلت في صفوان.
هذا معنى { أَفَرَأَيْتَ .. } [النجم: 33] يا محمد { ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } [النجم: 33] أي: أعرض عنك وتركك ومضى { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً .. } [النجم: 34] من العطاء أو من الأمان.
{ وَأَكْدَىٰ } [النجم: 34] منع عطيته من الكدية يقولون: حفر فلانٌ الحفرة فاستقامتْ له. أي: وجد ما ينتظره منها، وحفر فلان الحفرة فأكدتْ. أي: لم يجد شيئاً، أو وجد حجراً كبيراً منعه من الوصول إلى بُغيته، والحجر هذا يُسمى كدية. ومنه قولنَا: عقبة كأداء. يعني: تمنعك من الوصول إلى هدفك.
{ أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } [النجم: 35] أطلع على الغيب وعلم الحقيقة أن هذا الرجل سَيَفي في التحمل عنه { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [النجم: 36-37] يعني: ألم يعلم هذا المعرض عن دعوة الحق ما جاء في صحف موسى وفي صحف إبراهيم؟
لكن ماذا يعني بما جاء في صحف موسى وإبراهيم؟ يجيب القرآن ويُفصِّل المجمل في الاسم الموصول (بمَا) فيقول سبحانه:
{ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ ... }.