التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ
٤٣
وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا
٤٤
وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ
٤٥
مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ
٤٦
-النجم

خواطر محمد متولي الشعراوي

قوله تعالى: { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ } [النجم: 43] أي: خلق فيك الضحك وخلق فيك البكاء جعلك تُسر وتحزن، أنت مثلاً حينما تشاهد عملاً (كوميدياً) تضحك، (فالكوميديا) سبَّبتْ عندك الضحك، لكن لم تخلق فيك طبيعة الضحك.
لذلك لما كان في هذا الفعل شبهة المشاركة أكّد الحق سبحانه تفرّده بالعمل، فلا دخلَ لأحد غيره فيه، فقال تعالى: { وَأَنَّهُ هُوَ .. } [النجم: 43] فأكّد الضمير المتصل بضمير آخر منفصل، فهو وحده الذي جعلك تضحك، بمعنى خلق فيك هذه الطبيعة وجعلك صالحاً لها.
لذلك نجد أن المشاعر والعواطف والأمور الطبيعية في البشر تتحد في جميع اللغات وعند كل الشعوب على اختلافها، فليس هناك مثلاً ضحك عربي، وضحك إنجليزي أو ألماني، ليس هناك بكاء روسي، وبكاء ياباني.
ففي هذه الأمور يتحد الناس، حتى في الإشارة نجدها واحدة على اختلاف اللغات، الكل يفهمها لأنها أصل التفاهم بين البشر قبل وجود اللغات، فالإشارة لغة عالمية.
كذلك في قوله سبحانه: { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } [النجم: 44] أكد الضمير المتصل بالضمير المنفصل، لأن مسألة الإحياء والإماتة فيها شبهة المشاركة، فقد يظن البعض أن الطبيب مثلاً هو الذي أمات المريض أو أحياه، أو يظن أن القاتل هو الذي أمات القتيل.
فالحق سبحانه يختصّ لنفسه سبحانه بهذه الأمور له وحده سبحانه دون سواه { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } [النجم: 44] فالواقع أن القتيل حين قُتِل لم يُمتْه القاتل، إنما جاء أجله موافقاً لهذه الضربة فمات، مات لأنه سيموت في هذه اللحظة حتى لو لم يضربه القاتل.
لذلك قال سبحانه في موضع آخر:
{ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ .. } [الملك: 2] فالموت والحياة خلق لله وحده لا دخلَ لأحد فيهما، لذلك قال الشاعر:

مَنْ لَمْ يُمُتْ بالسَّيْفِ مَاتَ بِغَيْره تَعدَّدَتْ الأسْبَابُ وَالموْتُ وَاحِدُ

وقالوا: والموت من دون أسباب هو السبب. يعني: مات لأنه سيموت.
وقوله تعالى: { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [الجم: 45] لاحظ هنا أنه سبحانه لم يقل: وأنه هو، لأن المسألة لا تحتاج إلى هذا التأكيد، فقضية الخلق الكل يُسلِّم بها لله، ولم يدَّعها أحدٌ لنفسه، وليس فيها شبهة المشاركة من الخَلْق.
ومعنى (الزوجين) أي: النوعين الذكر والأنثى. فالزوج فرد معه مثله، كما جاء في قوله تعالى:
{ ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ .. } [الأنعام: 143].
{ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } [النجم: 46] فأصل الخَلْق نطفة وهي قطرة المني.
{ إِذَا تُمْنَىٰ } [النجم: 46] أي: تُدفع وتلقى في رحم المرأة، فيكون منها الولد بقدرة الله.
وهذه الآية حلَّتْ لنا إشكالاً طال الخلاف فيه بين العلماء، فقد كان البعض يعتقدون أن المرأة هي المسئولة عن النوع: ذكر أم أنثى. لكن حينما نقرأ هنا { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } [النجم: 45-46] نعلم علم اليقين أن الرجل هو المسئول عن هذه المسألة، فالنطفة هي نطفة الرجل يلقيها في رحم زوجته، فالزوجة إذن مُستقبلة تعطي ما أخذتْ.
وقلنا: إن المرأة العربية قد توصلتْ بطبيعتها وفطرتها إلى هذه الحقيقة، فالمرأة التي تزوج عليها زوجها لأنها لا تلد له إلا البنات، قالت:

مَا لأِبِي حَمْزَةَ لاَ يَأتينَا يظَلّ في البَيْتِ الذي يَلينا
غَضْبَانَ ألاَّ نَلدَ البَنينَا تَالله مَا ذَلكَ في أَيْدينَا
ونَحْنُ كَالأرْضِ لِغَارسِينَا نُعْطِي لَهُمْ مثْلَ الذِي أُعْطِينَا

إذن: انتهتْ المرأة العربية بفطرتها إلى ما انتهى إليه العلماء مؤخراً، ولا بد أن نفرِّق بين النطفة والمني: النطفة هي السائل الذي يعيش فيه الحيوان المنوي، والمني الميكروب نفسه الذي يكون منه الولد.
ورحم الله العقاد حينما قال: إن نصف كستبان الخياطة يحوي أنْسَال الدنيا كلها، ويمكن أنْ نملأ نصف كستبان الخياطة بقذفة واحدة للرجل، سبحان الله.