التفاسير

< >
عرض

أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ
٥٩
وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ
٦٠
وَأَنتُمْ سَامِدُونَ
٦١
فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ
٦٢
-النجم

خواطر محمد متولي الشعراوي

الهمزة هنا استفهام للتعجب، فهم يتعجبون من { هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } [النجم: 59] أي: من القرآن وهو يتعجب منهم، يقول لهم: أتتعجبون من القرآن؟ الأوْلَى بكم أنْ تتعجبوا من حالكم وما أنتم فيه من لهو وغفلة وانصراف عن الحق، وهذا يُفوِّت عليكم الفرصة ويحرمكم خيراً كثيراً.
ونفس المعنى في { وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ } [النجم: 60] تضحكون سخرية واستهزاءً، وكان الأوْلَى بكم أنْ تبكوا على أنفسكم وعلى ما فاتكم من الخير { وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } [النجم: 61] لاهون غافلون.
وهذا حال مَنْ قستْ قلوبهم وغلبهم الشيطان والنفس، تراهم إلى جانب انصرافهم عن الحق يسخرون من أهله ويضحكون استهزاءً بهم.
كما قال تعالى في تصوير هذا الموقف:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } [المطففين: 29] سماهم مجرمين { كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } [المطففين: 29-33].
نعم، هذا حال أهل الباطل الذين يقلبون الحقائق في الدنيا، لكن الدنيا ليست هي الغاية، وليست هي نهاية المطاف، فهناك اليوم الآخر الذي يفصل فيه بين الظالم والمظلوم، كما قالوا: وعند الله تجتمع الخصوم.
فالله يُطمئن أهل الإيمان:
{ فَٱلْيَوْمَ } [المطففين: 34] أي: يوم الحساب { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } [المطففين: 34] ومَنْ يضحك أخيراً يضحك كثيراً { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [المطففين: 35-36] وعندها نقول: نعم يا رب جازيتهم بما يستحقون.
وقوله سبحانه: { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } [النجم: 62] نلاحظ أولاً أسلوب الاختصار في الأداء القرآني الذي يترك مجالاً لفطنة المتلقي، فالمعنى: فاسجدوا لله واعبدوا الله، لأنه وحده المستحق للعبادة لا شريك له، فالأمر بالعبادة لا ينصرف إلا إليه سبحانه، حتى لو لم يُذكر المعبود سبحانه.
الحق سبحانه وتعالى حينما يأمرهم بالسجود والخضوع والطاعة كأنه يقول لهم: كان أوْلَى بكم البكاء والخضوع والتضرع، وأنْ تتمسكوا بهذا الحق الذي جاءكم ليأخذ بأيديكم، فهو حبل النجاة فلا تقابلوه بالسخرية.
وهنا ملحظ في نهاية السورة يأتي الأمر بالسجود { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } [النجم: 62] كأن الله يتودد إلى عباده حتى الكافرين يقول لهم: يا عبادي أنتم صنعتي وعيالي، فتعالوا إلى ساحتي.
انهوا الخلاف والمعارضة، واخضعوا لي بالسجود والعبادة، فأنا أريد لكم الخير، وهل هناك صانع يريد الشر لصنعته؟ لذلك ورد في الحديث القدسي:
"يا بن آدم، أنا لك محب فبحقِّي عليك كن لي محباً" .
ولله المثل الأعلى: أرأيتَ لو أن رجلاً غنياً وسّع الله عليه وعنده ولد فاسد، فينادي عليه: يا بُني تعالَ انتفع بمالي، فأنت أحقُّ به، كذلك الحق سبحانه ينادي على الخارجين عن منهجه: تعالوا فالخير ينتظركم.
وإذا كان الأمر في { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } [النجم: 62] للكافرين، فهو أيضاً يكون للمؤمنين: اسجدوا شكراً لله الذي هداكم إلى الإيمان ونجاكم من الكفر.