التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ
٧
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ
٨
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ
٩
-النجم

خواطر محمد متولي الشعراوي

قالوا: الكلام هنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان بالأفق الأعلى في رحلة الإسراء والمعراج، قال تعالى: { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } [النجم: 14-15].
يعني: رآه مرة في الأرض ومرة في السماء { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [النجم: 8-9] أي: أنه صلى الله عليه وسلم بعد أن استوى وبلغ الغاية التي تؤهله لأداء رسالته في البلاغ عن ربه تعرَّض لكثير من المتاعب والأذى من قومه بالقول وبالفعل في مكة حتى لجأ إلى الطائف فأغروا به سفهاءهم، ورموه بالحجارة حتى أدْمَوا قدميه.
وفي نفس العام ماتت زوجه خديجة التي كانت تُخفف عنه عناءَ ما يلاقي من قومه، ومات عمه أبو طالب الذي كان يحميه ويدفع عنه عداوة قريش.
لذلك سُمِّي هذا العام بعام الحزن كما تعلمون، حتى أنه صلى الله عليه وسلم لما عاد من الطائف عاد مكسور الخاطر، ولم يجد في مكة مَنْ ينزله في داره، وكما عزَّ عليه النصير في الطائف عَزَّ عليه الجوار في مكة، إلى أن استقبله المطعم بن عدي وكان كافراً، فأنزله في جواره، مما يدلنا على أن الله تعالى قد يؤيد رسوله ودعوته حتى بالكفار.
لذلك أراد الحق سبحانه وتعالى أنْ يجبر خاطر نبيه، وأنْ يُعوِّضه عن أذى أهل الأرض له، فقال له: إنْ كانت هذه حفاوة أهل الأرض بك فسأريك حفاوة أهل السماء فأخذه في رحلة الإسراء والمعراج لتكون تخفيفاً عنه صلى الله عليه وسلم.
وهناك رأى الأفق الأعلى، وكان قاب قوسين أو أدنى من مقام ربه عز وجل، وهذه هي المراد من قوله:
{ وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } [الضحى: 4].
وبعد ذلك نصر الله دينه وأيَّد نبيه، وتساقط أهل الكفر وصناديد قريش، واحداً بعد الآخر، حتى أن خالد بن الوليد يقول لعمرو بن العاص: يا عمرو لقد استقام الميسم لصاحبك. يعني: استتبَّ الأمر لمحمد وعَلاَ نجمه ولم يَعُدْ له منازع، فليس هناك فائدة إلا أنْ نذهب إليه ونؤمن به، بعدها فُتحتْ مكة ودخل الناس في دين الله أفواجاً.
إذن: الكلام هنا { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } [النجم: 8] أي: رسول الله دنا من مقام ربه ومن سدرة المنتهى. ومعنى { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [النجم: 9] أي: مقدار قوسين. والقوس هو أداة الرمي المعروفة { أَوْ أَدْنَىٰ } [النجم: 9] أو أقرب من ذلك، فأو هنا تأكيد لمقدار قاب قوسين.
كما قال تعالى:
{ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [الصافات: 147] فالزيادة هنا تؤكد وجود العدد مائة ألف، بحيث لا ينقص عن ذلك بل يزيد. كذلك قاب قوسين أو أقرب من القوسين.
ومن المفسرين مَنْ يرى أن الكلام هنا عن جبريل، فيقولون { فَٱسْتَوَىٰ } [النجم: 6] أي: ظهر جبريل لمحمد على صورته الحقيقة وبأجنحته التي تسدّ الأفق، وقوله: { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } [النجم: 8] دنا جبريل من محمد { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [النجم: 9] أي: قرب من رسول الله وصار منه على هذه المسافة.